Awate.com

رداً على مغالطات الدكتور برخت هبتي سلاسي حول اللغة الرسمية في الدستور الإرتري

(1)

يرد الدكتور برخت هبتي سلاسي ، في الجزء الثالث من المقابلة التي يجريها معه هذه الأيام الكاتب النشط الأخ صالح يونس، قائلاً وبكل صلف واستفزاز لمشاعر الشعب الإرتري عامة والمسلمين الإرتريين خاصة، بأن أغلبية الشعب الإرتري قد اقتنعت باستخدام كل جماعة عرقية أو اثنية للغاتها الخاصة في التعليم والمعاملات. والسؤال هنا يا دكتور: من الذي يقنع الآخر.. وبماذا؟ .. ألم تكن مهمة لجنتكم نقل إرادة الشعب الإرتري وتطلعاته بأمانة وصدق، وصياغة تلك الإرادة في مسودة الدستور؟ أم كانت مهمتكم إقناعنا بما جئتم به من باطل؛ إرضاءً لأهل السلطة وطمعاً في مكاسب شخصية؟!! . ولم يكتف الدكتور عند هذا الحد، بل ترك في جزء آخر من حديثه مستقبل تحديد اللغة الرسمية للمستقبل المجهول، معطياً بذلك السلطة الحاكمة الشرعية الدستورية فرض لغة الأمر الواقع (كلغة التجرينة حالياً) . ما كل هذا الافتراء ؟.. أين مصداقيتك العلمية والأكاديمية يا دكتور برخت؟ .. هل أغوتك بهرجة السلطة للتقرب إليها عبر قرابين إرادتنا وخياراتنا الوطنية والمستقبلية ؟!!

لم يكن غريباً إذن أن يعهد لشخص مثلك يا دكتور مهمة صياغة أهم وأخطر وثيقة في الدولة الإرترية ألا وهي الدستور. أ هكذا يتم التلاعب برأينا وإرادتنا نحن الشعب الذي ارتضينا باللغة العربية والتجرينية كلغتين رسميتين في إرتريا منذ دستور الاتحاد الفيدرالي سنة 1952 ؟ وأعدنا التأكيد عليه منذ انطلاق كفاحنا المسلح بقيادة جبهة التحرير الإرترية. وحتى عندما جئتم بمسودتكم التي كانت تحمل في مجملها أفكار الجبهة الشعبية ومبادئها دون غيرها من القوى والتنظيمات الوطنية الإرترية، تعرضتم من خلال ممثليكم في الاجتماعات التي عقدتموها في الداخل والمهجر لانتقادات شديدة بشأن عدم إدراج اللغة العربية والتجرينية كلغتين رسميتين ضمن نصوص المسودة، فضلاً عن موضوعات حيوية أخرى.

ومادمت قد تجرأت بمثل هذه الأقوال بدلاً من الاعتذار اعترافاً بالخطأ الفادح الذي ارتكبته أنت ومن معك في لجنة الدستور في حقنا بوصفنا مسلمين ومناضلين وطنيين، فما عليك إلا أن تقدم لنا بيانات إحصائية موثقة ، تفيد بقيام لجنتكم باستفتاء الشعب الإرتري حول موضوع اللغة الرسمية في إرتريا، تؤكدون فيه بأن المسلمين في إرتريا لا يريدون اللغة العربية لتكون لغتهم الرسمية في الدولة، ويفضلون عوضاً عنها- كما تدعي أنت والذين يكابرون الحقيقة- بما تسمونه بلغات الأم. كما أطلب منك أن تذكر لنا كيف تم تحديد المصير المجهول لمسألة اللغة الرسمية في إرتريا داخل لجنتكم الموقرة؟ فمن حقنا أن نعرف من الذي أعطى صوته ضد إرادتنا، ومن ساندها حتى نعطي لكل ذي حق حقه.

أما من جانبي فأدعوك إلى مراجعة الوثائق وأشرطة الفيديو(الأصلية )التي تم تسجيلها في الاجتماعات التي شاركت بها شخصياً في الكويت أو الاطلاع إلى أراء إخوتنا وأخواتنا من الوطنيين المخلصين لوحدة الشعب الإرتري في أي بلد آخر من بلاد المهجر. ستجدنا نطالب ممثل لجنتكم بأعلى صوتنا بإضافة مادة في مسودة الدستور تنص على أن اللغة العربية والتجرينية هما اللغتان الرسميتان لدولة إرتريا.

(2)

لقد استنفدت لجنة الدستور دون جدوى من وقت الشعب وجهده لمناقشة مسودة الدستور، وقدم الشعب الإرتري آراء واقتراحات وتعديلات، تعبر عما سكن في ضميرهِ ووجدانهِ، وتلخص تراكمات تجاربه النضالية ومحصلة معارف أهل العلم من أبنائه. إلا أنكم تعاملتم مع الشعب الإرتري بأسلوب ينم على غرور ومكابرة واستعلاء وانعدام الروح الديمقراطية، وكأنكم وحدكم الذين تملكون المعرفة والحكمة. أما غيركم فهم مجرد أناس جهلة لا يعرفون أين تكمن مصلحتهم!!. للأسف الشديد لم تكن لجنة الدستور حيادية وأمينة في عملها. لقد ضربت بعرض الحائط تلك المطالب الوطنية- وأخص هنا بالذكر موضوع اللغة الرسمية- التي تقدم بها شعبنا في الداخل والمهجر من أجل صياغة دستور يحظى بالرضى والإجماع الوطني؛ لأن النية كانت من قبل لجنتكم مبيتة مسبقاً بعدم القيام بتغييرات جوهرية فيما جئتم به؛ بدليل أنكم أعدتم المسودة الثانية والتي أسميتموها بالمنقحة بصورة طبق الأصل من المسودة الأولى فيما عدا بعض التغيرات الشكلية ذات الصلة بالإخراج المطبعي، لتبدوا المسودة الثانية مختلفة عن الأولى!!. وإذا طرح تساؤل على هذا النحو: إذا كانت هذه هي خطة لجنة الدستور منذ اليوم الأول لعملها، فلماذا إذن كانت تلك السلسة الطويلة من الاجتماعات في الداخل والمهجر؟ .. تكون الإجابة وببساطة: كان ذلك لازماً لكي ينصب إلى الشعب الإرتري زوراً- كحالة مسألة اللغة الرسمية- موافقته بالإجماع لما جاء في نصوص مواد مسودة الدستور.

لا تجعلنا يا دكتور برخت ننكأ جراحات ومرارات عدم استخدام اللغة العربية إلى جانب اللغة التجرينية كلغة رسمية في إرتريا. وما نشهده في وقتنا الحالي من سياسة التهميش والتغييب للغة العربية في مؤسسات الدولة و في الاجتماعات والمهرجانات العامة التي يدعى إليها الشعب الإرتري خير شاهد على ذلك. فمسألة وجود اللغة العربية والتجرينية كلغتين رسميتين في دستور الدولة الإرترية هي المعادلة الصحيحة والمقبولة من قبل المسلمين والمسيحيين على حد سواء، لكي يتعايشوا في ظل دولة واحدة ينتفي فيها الشعور بالغبن والتمييز بين المواطنين بكل أشكاله ،ويسودها التسامح الديني والعدالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وهذا بدوره سيؤدي إلى تعزيز وتقوية الوحدة الوطنية والحياة الديمقراطية في إرتريا. أما الإتيان بصيغ أخرى تحت ذريعة المساواة بين اللغات والثقافات ليس هو ذرّ الرماد في العيون فحسب بل إنما سيعمق الشعور بالتفرقة والتمييز بين أبناء الوطن الواحد، ويخل بموازين تلك المعادلة بهدف استفراد لغة وثقافة واحدة ( كما هو حادث حالياً في حالة لغة التجرينة ) لتكون لغة رسمية غير معلنة للدولة الإرترية.

وحتى أكون أكثر وضوحاً معك يا دكتور برخت، فإن نظرية تعدد القوميات واللغات والثقافات التي طرحتها الجبهة الشعبية وتبنتها لجنتكم نصاً وروحاً في مسودة الدستور هي في الأصل تستهدف على وجه الخصوص المسلمين الإرتريين من أجل تقسيمهم إثنياً وعرقياً وإضعاف وحدتهم الإسلامية، وذلك من خلال إثارة فتنة العصبيات الإثنية والعرقية فيما بينهم، لكي تصبح كل جماعة عرقية كانت أو إثنية من المسلمين أقلية أمام المسيحيين الإرتريين الذين يمتازون بكيان ذو لغة وثقافة واحدة. وهكذا يصبح للمسيحيين الإرتريين الأغلبية التي ستمكنهم من جعل لغتهم وثقافتهم هي السائدة في إرتريا. ليس هذا فحسب، بل إن ذلك سيضمن للمسيحيين- وفق معادلة النسبة والتناسب لنظرية التعددية القومية – الأغلبية الدائمة في تولي المناصب السياسية والاقتصادية والثقافية المهمة في مؤسسات الدولة الإرترية. هذه هي إذن جوهر حقيقة هذه النظرية. فلا يعقل يا دكتور برخت أن نقبل نحن المسلمين هذه النظرية غير الوطنية التي ستؤدي إلى ابتلاعنا (بالتجزئة!!) وتهميش وجودنا وحرمان أبنائنا حاضراً ومستقبلاً من أن يكون لهم دورُ فعالُ و متوازنُ في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والثقافي في إرتريا.

لقد دأبت القوى الوطنية والديمقراطية في إرتريا بتبني اللغة العربية والتجرينية كلغتين رسميتين في إرتريا من خلال تنظيماتها الوطنية كجبهة التحرير الإرترية وقوات التحرير الشعبية أومن خلال الآراء الوطنية المستقلة. فاللغة العربية بالنسبة إلى المسلمين الإرتريين هي لغة امتداد أصولهم وثقافتهم العربية وهي لغة القرآن الكريم التي كرم الله بها رسوله الكريم محمد بن عبدالله (r). فهي إذن من ثوابتهم الدينية والثقافية والوطنية التي لا يمكن المساومة بها؛ لما لها من مكانة سامية وعميقة الجذور في وجدانهم.

إن المسلمين في إرتريا وهم يطالبون بحقهم الوطني في استخدام اللغة العربية كلغة رسمية، قد دأبوا دائماً ومنذ عهد النضال السياسي من أجل استقلال إرتريا، على احترام اختيار المسيحيين في إرتريا للغة التجرينية لتكون لغة تعليمهم وثقافتهم ومعاملاتهم، وتبنوها أيضاً في مختلف مراحل الكفاح المسلح لتكون اللغة الرسمية الشقيقة للغة العربية في إرتريا. وهكذا يتحقق التوازن المطلوب بين المسلمين والمسيحيين وتتوافر الأرضية الصلبة لبناء الثقة وتعزيز الوحدة الوطنية، وتتاح الفرص المتساوية والمتكافئة بين أبناء المسلمين والمسيحيين ليتعاونوا جنباً إلى جنب في ظل مناخ ديمقراطي لبناء وطننا الحبيب إرتريا.

Shares

Related Posts

Archives

Cartoons

Shares