Awate.com

بين دموع التماسيح وبراءة الذئب القديم من دم يوسف

 بين دموع التماسيح وبراءة الذئب القديم من دم يوسف!
هل يحق الاثيوبيا استخدام الاراضى الارترية؟

بعد ان اعلنت اثيوبيا جهارا نهارا انها اصابت معسكرات متمردين مناؤين لها فى داخل ارتريا، قد استغربت كغيرى من تباكى نظام اسمرا تارة عبر اعلامه الخافت ،وتارة اخرى عبر ابواقه وتوابعه المعروفة لدينا سلفا ،والمدعية بانها تخالفه وبانها وطنية.

ان استغرابى ياتى بسبب ان النظام هو اخر من يزرف الدموع فى مسالة تسبب هو فيها قبل عشرة اعوام ونيف /فبلاش دموع تماسيح/  اما استنكار الهجوم وتباكى البعض على ما اسموه بانتهاك السيادة الوطنية، والله انه لامر غير مبرر الا لمن يجهل ولا يعلم .

فحين اعلنت اثيوبيا انها وجهت ضربات ضد المتمرين المناوئين لها فى عمق الاراضى الارترية ،على مستوى 16 كيلومترا!!. اننى فعلا متعمد قول مستوى ال16 ك.م ،وساتى بتوضيح انها فى السقف المعقول والمنطقى، لانها لم تتجاوز حاجز ال25 ك.م المنصوص عليها فى الجزائر.

ورغم ان الناس لم تناقش بعد الاثر او المعنى العميق الذى خلفته الضربات الاثيوبية ،من حيث التوقيت والمرامي والاهداف ومن حيث الفائدة او الخسارة بالنسبة لاثيوبيا نفسها او للمعارضة الارترية بشكل تحليلى واستقرائى. فان قرضى هنا سوف لن يتطرق اليها ايضا .

بل احب الاشارة الى ان هؤلاء الذين يتباكون على السيادة الارترية، ينسون فى المقام الاول ناحيتين اساسيتين بدونهما لا ينفع هذا التباكى، بل ويصبح مجرد تغبين وابتزاز مقصود ، وهو ايضا بعيد كل البعد عن الادعاء بالحرص على سلامة السيادة المفترى باسمها، اما النظام فانه غير محرج كما اعلن ،ويتشدق من باب الاستهلاك الدعائي وغش المواطن المسكين.

الامر الاول ،ان هذا التباكى يشرع ويوكد وبشكل مستهجن ان من يحمى السيادة الارترية هو النظام القائم ،وهذا يعتبر اعتراف بديهى من هؤلاء بالنظام وبمشروعية قيامه وبقائه وتواجده على اعناق الارتريين ومصيرهم. ولا اظن اننا نقبل بهذا التدليس من جهات محسوبة على المعارضة حسب ما تدعه على نفسها ،بينما ياتى حقيقة على اعتبار اعتباطى ليحسب لها بانه نوع من التظاهرة السياسية او تبنى راى مغاير او اعلان مواقف شبه بطولية ،وبمعنى اخر يمكن تسميته بالبناء على الوهم المفتعل.

الامر الاخر هو/ حقيقة وواقع السيادة المنقوصة اصلا / احب  هنا  القول  ان الذى لا يعرفه هؤلاء او لنقل بمعنى اخر لا يريدون الالتفات اليه هو انهم ينسون ان اتفاقية الجزائر لوقف الحرب او العداء / طبعا البعض يعتقد انها اتفاقية سلام / لانو هناك فرق بين اتفاقية وقف الحرب واتفاقية صنع السلم ،على الاقل فى القاموس السياسى الدبلوماسي، فالاولى هى الية لوقف العداء المتبادل او تجميده الى حين، والثانية الية لفض النزاع وتحقيق التفاهم المشترك ولا يتكون نهائية الا بانجاز ما تم الاتفاق بشانه. ورغم من ما بينهما من تشابه فى الفهم العام، وخاصة لدى المتطفلين وكذلك تلاميذ السياسىة ، نقول ان الارض التى تتحدثون عنها اصلا خارج الاطار( السيادي )الكاملة منذ نهاية القتال .

ففى الحالة الاولى تضمن الاتفاقية حسن النية بشرط الالتزام بشروطها المنطقية ،وفى الاساس عدم المساس بالتهدئة والابتعاد من ما قد يتهددها ،حتى حين التوجه نحو اختتامها فى النهاية باتفاقية سلام دائم بعد الانتهاء من المحاور الرئيسة /كترسيم الحدود/ التعويضات/ التحقيق فى من بدا الحرب.

وهذا لم يحدث فى الحالة الارترية الاثيوبية حتى الان ،لذا نستطيع ان نقول بانهما يمتلكان اتفاقية وقف العداء، اذا اردنا التحدث بصراحة، طالما ان هناك اجزاء منها لازالت عالقة.

واقول لمن لم يفهم او لا يرغب ان يفهم ،بان عليه اولا مراجعة اتفاق الجزائر لوقف الحرب ونصوصها، علما بان بنود الاتفاقية اغلبها متوفرة ومنشورة سوى فى الانترنيت او معظم مواقع البحوث والدراسات.

ما علينا ،المهم ان الاتفاقية تمنح حق اعتبار اى تحرك عسكرى فى المساحة الفاصلة بين الحدود على امتدادها بين البلدين – وفقط – بعمق 25 ك.م فى عمق الاراضى الارترية ،بانه تجاوز للاتفاق الموقع، وعلى اثيوبيا  التعامل معه بالكيفة التى تراها مناسبة ،بما في ذلك الرد الفورى بالعمل العسكرى اذا لزم الامر، وحتى لا يكون هذا الحق زريعة لاندلاع الحرب مجددا ،فان الاتفاقية ايضا منحت ضمانة تواجد قوات حفظ سلام دولية عبر الامم المتحدة، ترابط فى المنطقة منزوعة السلاح المتواجدة فى الجانب الارترى. طبعا لسوء حظ نظام اسمرا وغبائه قد طلب ابطال مفعول المراقبة والضمانة الدولية بنفسه حين تنازل او طرد تلك القوات بعد حوالى ثمانية اعوام من العمل الفعال.

 وبالتالى فان من المنطقى الا ننكر بان  اثيوبيا لها الحق والزريعة فى ضرب اى تحرك عسكرى فى الجانب الارترى، تشعر بخطره عليها . وان اسمرا اكدت هى الاخرى فى نفس الوقت بحق الاثيوبين فى ذلك ،ان هى اخلت بالشروط .وما اعلنه ان النظام من انه سوف لن يرد بالمثل ،ما هو الا زرى الرماد فى العيون ، وبرواية اخرى هو الاعتراف بجرمه وخطائه فى تجازوه المحظور عليه.

على كل ،ان احد هذه البنود تشترط ،ان لا يتواجد فى المنطقة منزوعة السلاح جندى نظامى تابع لاسمرا ،على ان يسمح فقط بعدد محدود من الشرطة غير المسلحة تعمل لحفظ الامن المدنى، ولو كان هناك فعلا تعنت اثيوبى لفرض على المنطقة الفاصلة نفس اسلوب هضبة الجولان ، وبالتالى ان الضربات الاثيوبية سوف لن تحسب ضدها فى القانون والعرف الدبلوماسى،لان المراقب المفترض بعيدا عنها ،والمتمثل فى قوة حفظ السلام الدولية.  

من جهة اخرى من الملاحظ ان البعض ايضا يحاول بشكل متعمد تجهيل الناس بشان اسباب الحرب التى دفع الشعب الارترى ثمنها غاليا دون مبرر، وذلك لابعاد المسوؤلية عن عنق اسياس وشلته، لكن لماذا؟ هذا ربما الاجابة لدى هؤلاء المدافعين عن النظام بشكل مكشوف او ضمنى.

اذن ما السبب الحقيقى وراء الحرب ؟

واقول ان هذا تساؤل مشروع ، وسحاول بشكل مختزل ان اضيء بعضا من هذه الاسباب التى تعد الاسس الرئيسة من اسرار الحرب بين النظامين فى اسمرا واديس ابابا ليس كما يحاول البعض بيعها للقراء بمجانية خبيثة ناقلا نفس الادعاءات التى روجها النظام ولازال وذلك عبر الادعاء بالحياد او الادعاء بالفهم والخبرة …

ان الحرب اصلا لم تكن بسبب بادمى او عد مروق، بقدر ما كانت مبنية على نقض التفاهمات المعلنة او غير المعلنة ،ومن بينها التنسيق الذى كان يتبناه النظامين فى ادي واسمرا ،فيما يخص الموقف الدبلوماسية وخاصة تجاه قضايا المنطقة ، السودان وروندا وبروندى والكنغو والصومال. وقد انقطعت  هذه الشعيرة حين شارك ملس زيناوى رئيس الوزراء الاثيوبى عندما انطلق فى الساعة الاخيرة الى قمة الرئيس الامريكى الاسبق بيل كلنتون مع زعماء دول شرق افريقيا التى عقدت فى اوغندا1996، وخاصة ان زيناوى واسياس كانا قد نسقا و اعلانا قبيل القمة بيومين عدم حضورهما لها ،لكن ان واشنطن وعبر سفيرها اقنعت زيناوى بان من اهداف القمة منح اثيوبيا الدورى الريادى فى المنطقة ،الامر الذى جعل زيناوى لا يلتفت الى وعوده  لاسياس الذى كان يستغل بدوره الثقل الاثيوبى السياسى والتاريخي للظهور بالاهمية والفعالية فى المنطقة ، وكان هناك ايضا خلاف يوري موسيفيني الحاكم في أغندا منذ سنة 1986 بدعم من الجالية التوتسية الرواندية الكثيفة العدد في أوغندا، حيث لعب دوراً مركزياً في المتغيرات التى جرت في منطقة البحيرات العظمى ، فقد انكب اسياس ايضا على مساعدة الحكومات التوتسية  التي سرعان ما أحكمت قبضتها على رواندا وبوروندي في العام 1994.‏وكذلك دعم متمردي زائير(الكنغو-كنشاسا) والعمل على تقويض المشاريع السياسية فى المنطقة، وكان لهذا التوجه بالاضافة الى محاولة نظام اسمرا التعاون فى تهريب الماس المسروق من الكنغو وانغولا وسراليون  عبر الحقائب الدبلوماسية الارترية الى اوروبا والذى ادانه مجلس الامن،اثره المتنامي  ببدء العزلة الدولية تجاه النظام ،وكان موسفينى الذى استشعر ان اسمرا تسرق منه هذا الدور فى منطقة البحيرات ،قد بدا هو الاخر فعلا يستعين بالظروف المواتية ،لابعاد اسمرا عن المنطقة ،وكانت واشنطن تتفهم ذلك حيث عملت تدريجيا مع اثيوبيا وكينيا وتنزانيا واوغندا على طرد اسمرا نهائيا من صراع منطقة البحيرات العظمى.

ولم يكن هذا الانفكاك من الشراكة كاف لوحده فى تعميق الهوة بين النظاميين ،بل تلاه تتطور اخر كان  بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير ،الا وهو توصل لجنة اقتصادية خاصة كان البرلمان الاثيوبى قد اناط بهما دراسة اعادة تيقيم جدوى استيراد خام النفط من عدمه ،وخاصة ان ارتريا تتحصل بموجب الاتفاقات الثنائية باستخدام مصفاة عصب ،على جميع ما تحتاجه من مشتقات البترول مجانا ،وقد خلصت اللجنة الى ضرورة انتهاج سياسات جديدة فيما يخص استيراد البترول وتفضيل شرائه مفككا ،اى عدم الاعتماد على مصفاة عصب، بل اوصت اللجنة افضلية الاستيراد عبر جيبوتى لوجود ميزة السك الحديدية لنقل الوقود ،مما يقلل من التكاليف الباهظة عبر ارتريا ،كما اوصت لجنة ثانية كذلك عدم الركون الكلى للموانئ البحرية الارترية وكانت هذه التوصيات تحتاج الى قرار شجاع من زيناوى ،باعتبارها ستضر بالمصالح الارترية بالاحرى ستحرم الحليف نظام اسمرا، من العديد من المزايا الاقتصادية المجانية التى كان يتحصل عليها  نظام اسمرا الذى كان يرى اثيوبيا بالنسبة له /الدجاجة التى تبيض ذهبا/ وتلى ذلك فشل الاجتماع الوزارى الاثيوبى الارترى المشترك ،فى التوصل الى اتفاق نهائى بشان قيمة ومصير العملة الاثيوبية المكدسة فى ارتريا ،فى حال اصدار الاخيرة عملتها الخاصة، طبعا اثيوبيا فضلت ان تطبع هى الاخرى عملة جديدة وتتخلص من اشكالية الدفع بالدولار مقابل استعادة اوراق مهترئة ليست لها قيمة حقيقية او حاجة ماسة لاثيوبيا فى الاساس.

فما كان من اسياس ،الذى وجد نفسه محاصرا فى احلامه التى تنهار تدريجيا / ماى طبطا ترفا/  وهذه التراكمات بالضرورة  قد تغضب عاقل يعرف من اين تؤكل الاكتاف ،ناهيك ما يمكن ان تصنعه من هلوسة لمجنون مثل اسياس، الذى تختمر فى افكاره الاحقاد بكل صديدها وسديمها.

ولم يكن امام هذا الحقد الا ان يفتعل حربا لتأديب حلفاء الامس ملس  زيناوى واجباره للتراجع عن توجهاته فى تزعم المنطقة او فصل المصالح المشتركة  او بمعنى اخر حرمان ارتريا من خيرات اثيوبيا ،ويظهر فى المقابل ايضا لواشنطن والمنطقة بانه القوة التى لا يمكن تجاوزه فى المنطقة ،وقد وجد ضالته فى ما تنازل عنه فى السابق نكاية بجبهة تحرير ارتريا وهى منطقة بادمى  لصالح الويانى تغراى منذ ما قبل التحرير بسنين عديدة .وواقع ميزان القوة فى احصائيات تلك الفترة كان يرجح كفة اسياس الذى امتلك جيشا جرارا قوامه حوالى 300 الف جندى مدعوم بمدرعات كبيرة نسبيا، واثيوبيا حوالى الثلاثين الف جندى فقط وتفوق فى الطيران.

طبعا كما تابعنا التطورات اللاحقة والتى سماها البعض ب(حرب الاغبياء او الاخوة الاعداء) وان لم تصح تلك التسمية كانت فعلا فى الاساس كل ما توصلت اليه مخيلة المريض اسياس وشلته .

والحق يقال ان اثيوبيا فى حينها لم تكن تتوقع بل لم تكن مستعدة لاية معركة لا تملك سلاحها او رجالها ،وخاصة ان تأتى من قبل ارتريا  ،وكان رهانها على الضمانات الوعود الامريكية  بالتحالف والدعم الكامل عندما قررت واشنطن منح اديس ابابا توكيل مصالحها فى المنطقة .

وبدلا من ان يستفيد اسياس مما حققه من مكاسب اولية (طبعا مكاسب لا يفتخر بها) فى تحريك المياه الراكدة ابان الايام الاولى من الحرب، فان الحقد الاعمى الذى يلازمه منذ صبيحة التحاقه بثورة الشعب الارترى، لم يساعده فى الانتباه الى فرصة الاستفادة من المبادرة /الرواندية الامريكية على طبق من ذهب/وكلنا نعرف تفاصيل تلك المبادرة بما فيها سحب الطرفين جيوشهما من الحدود لمسافة 25 كيلومترا على حدى، وبرفضه لها،لم يصنع فقط الفرصة اثيوبيا الطامحة لرد كرامتها فى ان تتعامل بجدية مع التهديد الجديد، بل زاد المخاوف الاثيوبية من خطورة ان تصبح الاهانة تدميرا لمكانة اثيوبيا، وفعلا اعدت العدة للحسم النهائي ،بحيث لا تتطاول عليها اية دولة فى المستقبل .

وكلنا ندرى ما حصل فى نهاية المطاف من هزيمة نكراء مسحت ارض الحائط بالفخر الذى كان الارتريون يتغنون  به من نصر التحرير.

Shares

Related Posts

Archives

Cartoons

Shares