Awate.com

محاولة لفهم أسباب ضعف تنظيمات المعارضة الأرترية 1-3

أن الإسقاطات التي قام بها البعض ووصل بها لدرجة تحديد العدد المطلوب من الشهداء لإسقاط النظام ، وآخرون بعد أن أجروا إسقاطاتهم وصلوا لنتيجة التمسك بالخيار السلمي ونبذ القوة مع توجيه رسائل إستخفاف لمن وصفوهم أنهم في إنتظار الدبابة الأثيوبية ، وما أردت قوله في مقالي (ما حدث في تونس و مصر لا يمكن أن يحدث في أرتريا ) ، هو أن تلك الأسقاطات لم تكن صحيحة لعدم توافر عدة عوامل حاسمة في الوضع الأرتري كانت سبباً في نجاح ثورتي الشعب التونسي والمصري ، وما دفعني لهذه المقدمة هو البحث المضني الذي يقوم به البعض عن الحلول المعلبة التي كثيراً ما كانت سبب أساسي في مشكلاتنا ، أما الأستاذ حسن ود الخليفة نقول له  نحن مثلك تماماً مقتنعين ومؤمنين بقدرات شعبنا الأبي ، إلا أننا نخشى عليه من الحلول المعلبة البراقة التي قتلت الكثير من إبداعاته البسيطة والفعالة  ، لهذا نقدم لك وللغيورين على هذا الوطن الدعوة للمساهمة في البحث والكتابة عن أسباب ضعف تنظيماته السياسية المعارضة عسى أن تعم الفائدة بحفر كوة في النفق لنعرف سبب توقف هذا الشعب عن الإبداع .

     قد يتفق معي البعض و يختلف البعض الآخر في تحديدي للعوامل والأسباب التي أدت إلى ضعف تنظيمات المعارضة الأرترية وذلك لأن الموضوع جانب الإجتهاد فيه كبيراً ، وقد تكون معلوماتي في بعض جوانبها ضحلة إلا أني أؤمن بالمشاركة الأمينة بقدر ما تسمح به إمكانياتي المتواضعة لهذا أرجو مساندتي من قبل من يرى قصوراً في بعض الجوانب ، وقد حددت عدة عوامل وأسباب خارجية وأخرى داخلية اعتقد أن لها نصيب الأسد في تردي أوضاع تنظيمات المعارضة مع التأكيد على أهمية العوامل الداخلية التي لولا حضورها بقوة لكان بإمكاننا إيجاد حلول تقلل من الآثار السلبية للعوامل الخارجية وسنتحدث في هذه الحلقة بعيداً عن التسلسل الذي سنضعه عن أحد العوامل الداخلية الذي كان له تأثيرقوي في ضعف تنظيمات المعارضة الأرترية وهذا العامل هو الهيبة الأمنية للنظام وذلك لحوجتنا لكسرها في هذه الأيام حتى نستطيع إستثمار الأجواء الثورية الإيجابية في المنطقة أما في الحلقة الثانية سنتناول العوامل الخارجية وقد حددتها في أربعة محاور كالأتي :

1.  دول العمق الإستراتيجي ومواقفها .
2.  تأثيرات أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001م .
3.  العلاقة الأرترية السودانية .
4.  التواجد الأرتري المعارض في الأراضي الأثيوبية .

و في الحلقة الثالثة سنتحدث عن أهم العوامل والأسباب الداخلية بشئ من الإسهاب لأهميتها وتأثيراتها المدمرة ضمن المحاور الآتية :

1.  القوالب الجاهزة .
2.  التركيبة الاجتماعية وانعكاسها على التنظيمات .
3.  تشابه لدرجة التطابق مع تعدد محير .
4.   الإمكانيات البشرية والمادية .
5.  الهيبة الأمنية للنظام .
6.  القصور التنظيمي .

وكما هو ملاحظ أن كل تلك العوامل والأسباب الخارجية والداخلية التي حددناها تحتاج في معالجتها لفترات زمنية طويلة حتى تؤتي ثمارها ، ونحن في إطار ملاحقتنا للأحداث واستثماراً للأجواء الإيجابية التي خلقتها الثورتين التونسية والمصرية رأينا أن نتحدث عن كسر الهيبة الأمنية للنظام ، وسنتناول ذلك في ثلاثة محاور هي كالآتي :

1.  المنظومة الأمنية :

   النظام السياسي في صورته السلوكية هو تلك المجموعة المترابطة من السلوك المقنن الذي ينظم عمل كل القوى والمؤسسات والوحدات الجزئية التي يتألف منها النظام داخل أي بناء إجتماعي وضمن هذه المنظومة تكون الوظيفة الأساسية للأجهزة الأمنية في أي دولة من الدول هي الحفاظ على أمن الوطن والمواطن ووضع وتنفيذ استرتيجيات أمنية من شأنها صيانة أمن الفرد والمجتمع من أي تطاول قد يقع من قبل الخارجين عن القانون ويتحقق أمن النظام السياسي تبعاً لتحقق الأمن للوطن والمواطن ، إلا أن هذه الوظيفة الأساسية تتقلص في الأنظمة الشمولية بحيث تصبح وظيفة فرعية تتحقق بتحقق آمن الصنم الذي يعبده رعايا الدولة ذات النظام الشمولي ، وفقدان أمن الصنم يعني فقدان أمن الوطن والمواطن لأنه في سبيل إستعادت آمنه سيدمر آمن الوطن والمواطن ، والمنظومة الأمنية للنظام الأرتري هي منظومة متداخلة صعب تحديد إختصاص الأمني والعسكري منها ، فكثيراً ما تناط المهام الأمنية لوحدات عسكرية لذا من الصعب الفصل بين ما هو عسكري ، وما هو أمني ، عموماً الأجهزة العسكرية والامنية تتكون من وزارة الدفاع ويتبعها (القوات البرية ـ سلاح الطيران ـ الدفاع الجوي ـ القوات الخاصة ـ القوات البحرية ـ حرس الحدود ـ الإستخبارات العسكرية) وقد تم تقسيم القوات البرية إلى خمسة مناطق عسكرية منفصلة عن بعضها يملك قادتها صلاحيات غير معروفة الحدود ، أما أجهزة الأمن فهي وكالة الأمن الوطني ـ جهاز الأمن الداخلي ـ جهاز الأمن الخارجي وهي أجهزة تكاد تكون غير معروفة الإختصاص إلا ما يوحي به أسماءها .

2.  القبضة الأمنية:

    تشترك الأنظمة الشمولية في جوهرها الذي يعتمد على القوة الأمنية وسطوتها والبطش والتنكيل بكل من يخالفها ،  إلا أنها تتمايز في قبضتها الأمنية بين قوة أمنية غير مغلفة من السهل إدراكها وأخرى تؤدي نفس الدور إلا أنها مغلفة بأطر ديمقراطية للتجميل ، ويقول في هذا الأمر الإعلامي التونسي غسان بن جدو على هامش ملتقى الإعلاميين الشباب العرب الذي عقد في عمان أن هنالك قبضة أمنية حديدية (غبية) ، وقبضة أمنية حديدية (ذكية) مبيناً أن الأولى هي التي تقمع وتعذب وتسجن ولا تمنح هامشاً من الحريات والنشاط السياسي ، بينما القبضة الأمنية (الذكية) تسيطر على كل شئ ، ولكنها في الوقت نفسه تسمح بهوامش إعلامية لإنتقاد الحكومات ولبعض أطراف المعارضة بالمشاركة.

وبناءً على هذا التمايز يمكن معرفة أن قبضة القوة الأمنية الأرترية هي قبضة حديدية (غبية) وموغلة في الغباء فهي تقمع وتعذب وتسجن وتصفي معارضيها جسدياً ولا تمنح هامشاً من الحريات والنشاط السياسي ، والأكثر إيضاحاً لغبائها هو إستخدام قادة المناطق العسكرية الخمسة لتنفيذ سياسات الترهيب والتنكيل ، وقد نجحت القوة الأمنية الأرترية في تحقيق نقطتين مهمتين هما :

  • خلقت هالة حول قوتها ودرايتها بكل صغيرة وكبيرة .

  • قهرت المواطن الأرتري بحيث أنه قعد عن مقاومتها .

3. كسر الهيبة الأمنية للنظام :

 بعد أن تحدثنا عن المنظومة الأمنية للنظام وعن قبضته الأمنية ، سنتحدث في هذه النقطة عن كيفية كسر الهيبة الأمنية التي نجح في تكريسها، و حتى نستطيع  كسر الهيبة الأمنية  للنظام في البداية يجب أن نعرف كيف تم بناء هذه الهيبة ؟ ثم نسعى لتفكيك بنائها ، و الهيبة الأمنية للنظام شئ تم تحقيقه دون مخطط فكل الذي كان يرغب فيه النظام هو إستقرار نظامه بعد أن قام بإبعاد كل المعارضين وقد إعتمد النظام لإبعاد معارضيه على ثلاثة عناصر أساسية هي :

–        معرفته بالأساليب الأمنية التي كانت تعمل بها التنظيمات الأرترية الأخرى في مرحلة التحرر خاصة وهي نفس الأساليب التي كانت يتعامل بها تنظيم الجبهة الشعبية التي تحول لاحقاً لحزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة مواكبة لمرحلة الدولة .
–        إنضمام عدد مقدر من الكوادر العسكرية والأمنية لتنظيمات المعارضة لأجهزة النظام العسكرية والأمنية أضاف قوة غير عادية لها ، خاصة وأن هؤلاء المنضمين بالإضافة لمعرفتهم للأساليب التي تعمل بها تنظيماتهم السابقة معرفتهم بالأعضاء الحاليين والسابقين لتلك التنظيمات واللجان والمراسلين …الخ .
–        لجان القرى والأحياء والمدن التي تم تكوينها لأغراض تنظيمية وخدمية ، إلا أنه قد تم الإستفادة منها أمنياً بشكل ساعد الأجهزة الأمنية السيطرة على الوحدات الصغيرة (الأحياء ـ القرى ـ المدن)  وفي النهاية إحكام سيطرتها على البلاد بالكامل بشكل سهل وسلس .

       هذه هي الوسائل التي سيطرت بها الأجهزة الأمنية على الأجيال التي عرفت الثورة وناضلت عبر تنظيماتها المختلفة وتملك الروح الوثابة وأمل الإنعتاق وتذوقت لحظات الفرح والإنتصار ، أما الأجيال الجديدة ذات الفئات العمرية التي تبدأ من عمر18 سنة وحتى 35 سنة وهي الأهم في النضال  حدث ولا حرج لأنها كبرت أو ولدت في تلك البيئة و الإنسان حينما يعيش ويترعرع في مجتمع ما فإنه يكتسب من أخلاقه وعاداته وسلوكياته لذلك الخروج على تلك الأخلاق والعادات والسلوكيات تمثل ضغطاً اجتماعياً صعباً ، لهذا ترى من يقول بإستسلام هذا هو وضع البلد ، وهذا عامل يمثل غلبة و مقهورية بالنسبة للإنسان . والسؤال هو هل يستطيع الإنسان أن يقهر هذه العوامل ويطغى عليها أم لا يستطيع ؟ لا شك أنه إن لم يستطع أن يتخلص من آثار هذه العوامل لا يستطيع الخروج منها ، إلا أنه بإيمانه وبإرادته يستطيع أن يتخلص من الكثير منها، فهذا الإنسان الذي ورث صفة القهر ممن حوله ، هل سيعيش طيلة عمره مقهوراً؟ بل أنه يستطيع أن يتغلّب على هذا الصفة بشرط أن يتوافر عاملان هما :

(1)  معرفته أن معظم من حوله من أفراد المجتمع يشاركونه الإحساس بالقهر والظلم .

(2)  أن يجد من يبدأ بإطلاق الشرارة الأولى ، وإطلاق الشرارة الأولى لا يتأتى لأي شخص أو مجموعة من العامة إلا إذا توفرت فيها مجموعة من الصفات منها الوعي الكامل والشجاعة المفرطة ، كما أن إطلاق الشرارة الأولى يمكن أن يتأتي بأثر تراكمي في أن يرى أويسمع لشخص أو مجموعة أشخاص تتجرأ بإستمرار على الهيبة الأمنية للنظام مثل جنود تنظيمات المعارضة وهم يتجولون في أودية وجبال أرتريا دون كبير إهتمام بالمخاطر التي يمكن أن تواجههم ، ولأن وسائل كسر الهبية الأخرى غير متاحة ، لهذا نقترح على تنظيمات المعارضة الأرترية التي لها أجنحة عسكرية أن يكون لكل منها بين العشرة والعشرين جندي في الداخل الأرتري ليس بغرض خوض معارك مع جيش النظام إنما يجب عليها تفادي الإصطدام به ما أمكنها ذلك ، فالمطلوب هو كسر هيبة كل أجهزته الأمنية والعسكرية بالتواجد المستمر بالقرب من الشعب الأرتري ، ونحن نعلم أن هذا الأمرسهل أن يتم إقتراحه إلا أنه أمر صعب التنفيذ عملياً و ليس بالأمر السهل كما يتراى لنا ، فبعد خطوط الإمداد(الأغذية والزخائر والجنود عند الحاجة)  وإستحالت التواصل مع وحداتهم ومعسكراتهم الخلفية ، والبيئة المعادية المحيطة بهم (البيئة اليوم ليست تلك البيئة التي كانت تحيط بعواتي ورفاقه) ، بالتأكيد كل الذي ذكرناه والذي لم تسعفنا إمكانياتنا من إدراكه حتى نذكره يمثل تحديات كبيرة تشكل عقبات كبرى صعبة الحل في ظل الظروف المادية الصعبة التي تعيشها معظم تنظيمات المعارضة ومع هذا أملنا كبير في أن تظهر الإبداعات العسكرية الأرترية في هذه المسألة وغيرها من المشاكل اليومية التي تواجه شعبنا .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

aliafaa@yahoo.com

—————————–
(1) سبق وأن نشر لي قبل ثلاثة سنوات مقال بنفس العنوان ونفس الفكرة مع إختلاف المحتويات .

Shares

Related Posts

Archives

Cartoons

Shares