Awate.com

محاولة لفهم أسباب ضعف تنظيمات المعارضة الأرترية: 3-3

 رابط الحلقة الأولى  
رابط الحلقة الثانية

   قبل البدء في موضوع الحلقة الثالثة والأخيرة بودي أن أدعو القراء لقراءة المقال المنشور في موقع عركوكباي للسيد عثمان نصرالدين بعنوان(تلويح إثيوبيا بشن الحرب على إرتريا ما هي إلا محاولة لتقويض مشروع الوطن الإرتري الواحد) وهو مقال تضمن الكثير من الإتهامات والإساءات ، أما توقيته أشبه بتوقيتات أعمال الطابور الخامس  وأقل ما يمكن أن يقال عنه حق أريد به باطل  ، ونوعية هذه الكتابات قد إنقطعت لفترة عن المواقع الأرترية في الأنترنيت خاصة وأن الأجواء في هذه الفترة صحية للغاية والمعنويات مرتفعة والكل يعمل بكامل قوته ، وغداً عندما تتزايد المساحة التي تغطيها مثل هذه الكتابات ونضطر لتعريتها نتهم بأننا هواة مهاترات وأننا نستغل المساحة المتاحة للشعب الأرتري في الأنترنيت في ما لا يفيد قضيته  ، المصيبة أن الذين إحتفوا بالمقال وأفردوا له مساحة هم من كانوا بالأمس يتباكون على المساحة التي تستهلكها المهاترات وشنوا حملة على المواقع الأرترية وإتهموها بعدم المهنية وعدم إمتلاك محرريها للمقدرات التحريرية …الخ ، كما أنهم عقدوا الندوات ليقولوا ذلك بطريقة مهذبة و غير مهذبة أحياناً أخرى .  

العوامل والأسباب الداخلية

  تحدثنا في الحلقة السابقة عن العوامل والأسباب الخارجية تحت أربعة عناوين هي دول العمق الإستراتيجي ومواقفها ـ الأثر السلبي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر2001م ـ العلاقة الأرترية السودانية ـ التواجد الأرتري المعارض في الأراضي الأثيوبية ، وفي هذه الحلقة سنتحدث عن العوامل والأسباب الداخلية ضمن المحاور الأتية :

1.   القوالب الجاهزة :

   إن إستيراد قوالب نضالية وفكرية جاهزة يعتبر في الغالب تكرار لنكبات ومآسي سابقة مرت بها شعوب أخرى ، وبالرغم من تشابه القضايا في أغلب المجتمعات إلا أنه ليس بالضرورة ما يصلح لغيرنا يجب أن يصلح لنا ، وليس من الحكمة في شئ التعامل مع القضايا الإرترية بوسائل وأفكار شعوب أخرى لا تناسب مشكلاتنا وبالتالي لا تناسب الخصم السياسي الذي نواجهه ، وهذا هو ما درجت معظم تنظيماتنا على إستيراده وأنا هنا لا أستثني أحد من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ، والأمثلة كثيرة ولا يمكن إحصاؤها بداية بتجربة المناطق العسكرية التي لا زلنا نعاني من آثارها ، وتجربة حزب العمل الثوري التي وإن إنتهت بصورتها الرسمية إلا أننا لا زلنا نعاني من أرتال الكوادر التي تربت في ظل الفكر الشيوعي صحيح أنها اليوم لا تنادي بصراع الطبقات ودكتاتورية العمال إلا أن تلك التربية لازالت آثارها واضحة ، فكثيراً ما تكون تلك الكوادر منفصلة عن الواقع الأرتري البسيط ومتعالية عليه ، والبعض منها يبذل جهود مضنية في البحث عن حلول معلبة هي أشبه بحلول حزب العمل الذي عندما أصطدم بالتركيبة الرعوية والزراعية للشعب الأرتري  ظل يحاول تطويع الواقع الأرتري ليناسب تلك الأفكار المستوردة ، وهكذا الأمر في تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان على رواده الأرتريين في البداية أن يقنعوا الشعب الأرتري أنه شعب عربي صميم  ثم الإنتقال بهم لمرحلة البعث العربي ، ثم التجارب الإسلامية التي تقسمت بين قالب الأخوان المسلمين  وقالب السلفية ، ورغم اختلافهما تساهلاً وتشدداً ، إلا أن كلا القالبين بدلاً أن يطوعا نفسيهما ليناسبا الواقع الأرتري بذل روادهما الجهد الكبير في تطويع الواقع الأرتري إلى أن إتضح لهما إستحالت ذلك ليصلا إلى النتيجة التي كان من المفترض أن يبدءا منها وهي تطويع المنهج ليناسب الواقع الأرتري وليس العكس ومن يعرف مجموعة السلفيين الأرتريين المتشددين  في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات لا يصدق أن نفس تلك المجموعة هي قيادة وكوادر حركة الإصلاح الإسلامي الأرتري حالياً التي أصبحت أكثر وسطية وفاعلية في الواقع الأرتري بعد أن ناطحت الصخر طويلاً ، وموضع القالب الجاهز ينسحب أيضاً على  الفيدرالية فرغم جماليتها ونجاحاتها الباهرة في كثير من دول العالم وحوجتنا لها إلا أننا يجب أن ننطلق من دراسة الواقع الأرتري  ، ما أوردناه من أمثلة تخص القوالب الفكرية والعقائدية أما الأمثلة على النظم المتبعة في تنظيم العلاقات كالديمقراطية التي أثبتت نجاعتها عند شعوب العالم المتحضر وعندما طبقها الشعب الأرتري في ظل خليط من الواقع الطائفي والمناطقي والقبلي كانت وبالاً علينا ، ولو لم نركن للنسخة الجاهزة التي جلبت لنا من الخارج لكان بإمكاننا إختراع نسخة تناسب طبيعة شعبنا وثقافته ودرجة وعيه.

     ما أرمي إليه هو أن يكون الوقع الأرتري هو نقطة البداية وليس القالب الجاهز ، كما أن هذه ليست دعوة لتجاوز ما يدور في العالم  من تغيرات وتفاعلات فكرية وسياسية وإقتصادية ، إنما هي دعوة لاستنباط حلول مشكلاتنا من مشكلاتنا نفسها مستنيرين بتجارب الشعوب الاخرى .

2.   التركيبة الاجتماعية وانعكاسها على التنظيمات :

 إذا كنت في الأساس أنت منضم لأحد تنظيمات المعارضة ،  قل لي أي الأديان الأرترية تعتنق و من أي منطقة أو قبيلة أنت أقول لك لأي تنظيمات المعارضة تنتمي وسأنجح في تحديد انتماءك التنظيمي بنسبة تصل لـ 80% !!!  لقد تشكلت اغلب التنظيمات الأرترية من فئات محدودة من شرائح الشعب الأرتري كثيراً ما تمثلت في قبيلة أو قبيلتين أو إقليم أو إقليمن أو تشكلت من فئات من المثقفين و السياسيين في أحسن الأحوال، لذلك لم تمثل نموذجاً متكاملاً يشمل اغلب طوائف و قبائل وأقاليم أرتريا و قطاعات وفئات الشعب الارتري ، بالرغم من أن معظم هذه التنظيمات عبرت بصدق عن طموحات وآمال وتطلعات الشعب الأرتري في برامجها وأهدافها المكتوبة ، إلا أن تركيبتها الإجتماعية من فئات محدودة قد أثرت سلباً على الإنطباع المفترض أن تعطيه هذه الأهداف والبرامج  الشئ الذي نتج عنه إحجام الفئات التي انطبع التنظيم بطابعها عن الإلتحاق به خشيت أن توصف بنعوت هي بعيدة عنها ، وإمتناع الفئات الأخرى عن الإلتحاق بهذا التنظيم أو ذاك لأنه حسب مكوناته يمثل فئات إجتماعية أخرى وقد إنعكس ذلك سلباً على مسيرة التنظيمات تنوعاً وكماً  ، أما التنظيمات التي تكونت من فئات محددة من المثقفين أو السياسين إنعكس ذلك سلباً على مسيرة تلك التنظيمات أيضاً تنوعاً وكماً ، كما أثر ذلك بطبيعة الحال في طبيعة الأهداف المعلنة التي حددتها التنظيمات لنفسها ، فغابت من القائمة أهداف هامة ، وجانبت الواقعية أهداف أخرى . وذلك بسبب غياب شرائح ذات تطلعات تختلف عن تطلعات القطاعات والفئات التي أسست التنظيمات ، بل كان إيجاد برامج نضالية تناسب الطبقة الواعية أو المثقفة وفي نفس الوقت تناسب القطاعات الواسعة أمراً في حاجة إلى قيادة واعية ناضجة حكيمة .

3.  تشابه لدرجة التطابق مع تعدد محير :

     خطر لي سؤال أعتقد أن الإجابة عليه ستسهل على القارئ فهم ما قصدت الحديث عنه، والسؤال هو في ظل وجود الكثير من التنظيمات ما هي الأسباب والمبررات التي تكون مستساغة لتكوين تنظيم أو حزب سياسي ؟ أعتقد أن تكوين تنظيم جديد سيكون مبرراً إذا توافرت إحدى النقاط التالية :

  • تباين الخلفيات الفكرية والعقائدية مع هذه التنظيمات .

  • الإختلاف مع هذه التنظيمات في النظرة إلى قضية إرتريا ومستقبلها .

  • الإختلاف مع هذه التنظيمات في  طبيعة الخطاب السياسي والثقافي .

  • الإختلاف الواضح مع هذه التنظيمات في البرامج والأساليب والوسائل العملية التي تتبناها.

   أما أن أن يولد تنظيم جديد كل شهر أو شهرين وله من الأشباه لدرجة التطابق عشرة تنظيمات أخرى يكون هذا التعدد  قد خرج عن الإطار المألوف ، وبالتأكيد أنه تعدد مذموم لأن ذلك هو تشتيت للقوى و ليس تعدد  ، لأنه تعدد لا مبرر له ، و أن يصل عدد التنظيمات داخل التحالف الديمقراطي لإحدى عشر تنظيماً وخارجه يقارب العدد الثلاثون تنظيماً ، بالتأكيد هذا تعدد مبالغ فيه خاصةً قد صاحب هذا التعدد تقارب وتشابه في ثوابت ومتغيرات ووسائل العديد من التنظيمات، الشئ الذي صُعب معه تبرير وجود هذه التنظيمات خاصةً وأن هذا الكم لا يتناسب مع إمكانيات الشعب الأرتري البشرية والمادية،  ولا يتناسب أيضاً مع حجم وطبيعة الخصم السياسي الذي تواجهه هذه التنظيمات ، بل أن هذا العدد من التنظيمات السياسية لا يستساغ  حتى في مرحلة سلام  في ظل دولة تقبل وتؤمن بالتعددية ناهيك أن يكون هذا الكم في مرحلة نضالية تتطلب تكاتف وتعاون وإتحاد الجميع ضد نفس الخصم السياسي ، لهذا أصبح العدد الكبير لتنظيمات المعارضة عائقاً رئيسيا حال دون ترابط وتعاون هذه التنظيمات بل أنه أضعفها ، وفتح باب التنافس السلبي بينها  حتى تطور هذا التنافس في بعض الأحيان إلى صراع على كل شئ تقريباً ، كما خفف هذا التنافس من حدة التصادم مع النظام الدكتاتوري الذي إزالته هو الهدف الأساسي لهذه التنظيمات .

4.   الإمكانيات المادية و البشرية :

    عندما تحدثنا عن دول العمق الإستراتيجي لإرتريا ذكرنا  أن إعتماد التنظيمات الأرترية على الدعم الخارجي إن لم يكن كاملاً فهو كبيراً جداً ، وقد انقطع ذلك الدعم بشكل يكاد يكون كلي  ، لهذا كان للعائق المادي دور حساس في زيادة هموم ومعاناة التنظيمات، فترتب على قلة الإمكانيات المادية تقليص عدد الكادر المفرغ لنشاطات التنظيم لعدد بسيط جداً (الكادر الذي يحتاجه النشاط الذي تقلص لأدنى حد بسبب شح المقدرات المالية  للتنظيم )، واستمرار هذا الوضع لفترة طويلة أدى لتبعثر تلك الكوادر وتفرغها لأوضاعها الشخصية ، لهذا لم تستطع التنظيمات بسبب محدودية إمكانياتها البشرية والمادية  مجاراة المتغيرات داخل أو خارج ارتريا، ولم تستطع أيضاً استغلال الوقائع والأحداث بالسرعة والوسيلة المناسبتين ، فما أن تتكيف التنظيمات مع متغيرات سياسية وعسكرية وإعلامية ما، حتى تتبدل وتتغير الأوضاع الشئ الذي أدى إلى بطء الانجازات في كل المجالات (العسكرية والسياسية والإعلامية) ، وأدى بالتالي إلى غياب التصادم المباشر والمتواصل مع النظام، كما أوجد هذا الأمر فترات طويلة من الملل والجمود، وبدورها أدت إلى حالات جادة من الإحباط وخيبة الأمل واليأس ، بل أدت هذه النتائج مجتمعة إلى إتجاه التنظيمات إلى الإهتمام بأن يظل أسم التنظيم موجوداً على الساحة عبر إصدار البيانات والتصريحات أكثر من العمل الذي يمكن أن تقدمه.

5.   القبضة الأمنية :

 تحدثنا في الحلقة الأولى عن كيفية كسر الهيبة الامنية للنظام وللوصول لذلك تحدثنا عن المنظومة الأمنية للنظام وعن قبضته الأمنية ، وفي هذه الحلقة نحن بصدد الحديث عن القبضة الأمنية للنظام وكيف أن هذه القبضة كانت أحد عوامل ضعف تنظيمات المعارضة الأرترية ، في الحلقة الأولى قلنا أن القوة الأمنية الأرترية نجحت في تحقيق نقطتين مهمتين هما :

–        خلقت هالة حول قوتها ودرايتها بكل صغيرة وكبيرة .

–        قهرت المواطن الأرتري بحيث أنه قعد عن مقاومتها .

وهاتان النقطتان ترتب عليهما فقدان التنظيمات كل عضويتها بالداخل الأرتري سواء كان ذلك نتيجة لإستهداف تلك العضوية والبطش بها ، أو نتيجة لإبتعاد تلك العضوية إختيارياً تحت تأثير الهيبة الأمنية للنظام ، كما أن القوة الأمنية للنظام صعبت على التنظيمات أمر التواجد العسكري في الاراضي الأرترية وساعدها الوضع المادي السئ الذي يحيط بتلك التنظيمات حيث أنها تعجز عن تمويل إستمرار جندي واحد في الأراضي الأرترية ، وقد ترتب على عدم التواجد في الداخل الأرتري أن فقدت تأثيرها على فئات الشعب وكذلك دعمه وإلتفافه حولها ، وأصبح لدى الشعب(الأجيال الأقدم) إعتقاد راسخ أنه لا توجد معارضة بالمعنى الذي يفهمه للمعارضة لأنه شعب يؤمن بالقوة العسكرية ، وقد فعلها ذات مرة وإنحاز للعمل المسلح بإلتحاقه بجبهة التحرير الأرترية الوليد الجديد بعد أن كان مع حركة تحرير الأرترية ، أما الأجيال الجديدة فقد مورست عليها كل عمليات غسل الدماغ والطمس ، وكان بإمكانها المقاومة لو وجدت في البيئة المحيطة بها من يقاوم الظلم ومن يضحي بحياته في سبيل إزالته .

6.   غياب التكريم :

    التكريم يعني الأنصاف ، ووضع الشخص في مكانته المناسبة لعمله وإنجازاته وإعطاؤه  حقه ، وهو اعتراف للمكرم بالجهد والأعمال الجليلة التي قدمها، والتكريم يعكس مدى ثقافة ووعي المجتمع وهو في حد ذاته ظاهرة حضارية وجودها دافع للتفاني والتألق ، وتربية للنشء بأجمل صور التربية وتقوية لروابط المجتمع أما غياب هذه الظاهرة فهو مثبط للعزائم ومفتر للهمم ومفكك لروابط المجتمع ومحصلته النهائية شل المجتمع بقتل أهم محفزات ترابطه .

 

   عندما عرضت في الحلقة الأولى محاور مقالي هذا لم أذكر أني سأتحدث عن غياب التكريم بإعبتاره سبب من الأسباب التي أدت لضعف تنظيماتنا المعارضة إلا أنني بعد إعادة التفكير رأيت أن أضيفه للعوامل والأسباب الداخلية وأن تأثير غياب هذا العنصر يتضح جلياً في تمسك قياداتنا بمواقعها القيادية رغم تقدمها في السن ومعاناتها الطويلة من الجوع والفاقة بالأخص في الفترات الأخيرة ، فالذي يجعل ذلك الكهل يتشبث بالقيادة على الرغم من ظروف مرحلته العمرية  وما يرافقها من أمراض ومعرفته التامة ما تحتاجه المرحلة من مواكبة ودماء شابة ، لأنه يعرف مصيره أنه بمجرد مغادرته للموقع القيادي مصيره التجاهل والنسيان ، وبالتأكيد الأمر كان سيختلف لو عرف ذلك الكهل أنه سيكون محل تقدير واحترام الجميع وأنه سينضم للقيادة التاريخية لهذا التنظيم وسيضمه مع رفاقه الأقدم أعلى مجالس التنظيم للإشراف على التنظيم وأن الهالة التي سترافقه أينما حل ستكون أكبر من هالته السابقة وأنه سيكون أول من يتم تذكره عند توزيع الإعانات المادية البسيطة.

7.   القصور التنظيمي : 

يعتبر عامل القصور التنظيمي من أهم العوامل والأسباب على الإطلاق حيث أن كل العوامل والأسباب الخارجية وكذلك العوامل والأسباب الداخلية الأخرى كان يمكن إيجاد حلول لها لو لم يكن هذا العامل حاضراً بقوة لهذا قد أخرت الحديث عنه لأهميته و سنتناوله  بتفصيل أكثر .

فقد أهملت أغلب التنظيمات لوائحها الإدارية وهياكلها التنظيمية، وكان لهذا الجانب نصيب الأسد في خلق المشاكل وفي توسيع الهوة بين منتسبي التنظيم الواحد ، كما ساهم هذا الأمر في عرقلة العديد من برامج ونشاطات أغلب تلك التنظيمات ، بل أن ذلك قلل من ممارسة الديمقراطية أوالشورى بين قيادات التنظيمات وقواعدها ، بل غيبها في اغلب الأحوال ، فانحصرت ممارسة النشاط السياسي في نسبة ضئيلة من مسئولي التنظيمات، أخذت تمارس النشاطات السياسية اليومية وتتابع تطوراتها ، وتتخذ بشأنها قرارات عديدة ، دون الرجوع إلى النظم واللوائح الداخلية الخاصة بالتنظيم، ودون العودة أيضا إلى قواعد التنظيم ، تحت مبررات سرية بعض القضايا والقرارات، وخطورة تسرب هذه الأسرار على أمن التنظيم والأفراد ، في الوقت أن ذلك كان راجع لدكتاتورية وفردية القيادات ، فصاحب ذلك إنعدام الثقافة التنظيمية، وانعدام الوعي السياسي والحركي عند قطاع عريض من منتسبي التنظيم وقواعده ، مما صرف نظر الكثير من منتسبي هذه التنظيمات عن ممارسة العمل السياسي والإداري ، واكتفوا بدلاً من ذلك بالمساهمة إذا طلب منهم ذلك ، وهذا بدوره أدى إلى تهميش الهياكل التنظيمية وتجاوز النظم  واللوائح الداخلية ، كما أدى إلى استثناء أو تهميش إرادي أحيانا ، وغير إرادي أحيانا أخرى لمعظم قواعد التنظيم فعُزلوا أو إنعزلوا عن ممارسة العمل السياسي والثقافي والإعلامي والإداري . وانتهى الأمر بان طغت “المركزية” أحيانا والفردية أحيانا أخرى على طبيعة اتخاذ القرارات ، فأصبحت قرارات التنظيم قرارات فوقية، تتخذها الأقلية لتهبط إلى القواعد إما للتنفيذ أو لمجرد العلم  وتعارضت (“الفردية” و”المركزية”) مع الهياكل واللوائح والنظم ، فتداخلت الاختصاصات والأدوار، وتكررت المهام مرات، وتعطلت مرات أخرى ، وصاحب ذلك وربما نتيجة لما سبق عدم بروز قادة وكوادر جديدة مؤهلة لقيادة العمل في مختلف المجالات ، فالكوادر الجديدة لا تبرز ولا تنمو إلا من خلال مؤسسات حية لا من خلال مؤسسات طغت عليها الفردية والمركزية ، والقيادات الجديدة هي دماء جديدة، وفكرة جديدة، ونظرة جديدة، وطاقة جديدة، تستطيع مواصلة المسيرة  دون جهد أو عناء خاصةً إذا ما أرهقت أو فشلت أو عجزت القيادات السابقة، عن مواصلة المشوار، والقيادات الجديدة من جهة أخرى متحررة من العوائق التنظيمية والنفسية والشخصية التي غالباً ما تكبل القيادات التاريخية ، لذلك تستطيع القيادات الجديدة  أن تتفاعل بيسر مع مستجدات الواقع  وبمعدلات مناسبة دون الوقوع في سلبيات الماضي  ومخالب  الجمود ، ولا ينحصر حديثنا هذا على قيادات الصف الأول دون غيرها بل يشمل مستويات قيادية مختلفة، وإن احتلت قيادات الصف الأول قائمة النقد والنصح والتوجيه ، كما لا ينحصر حديثنا عن الجانب السياسي فقط بل يتناول قيادات وكوادر ومسؤولي الجوانب الثقافية والإعلامية والعسكرية والتعبوية ، ونتيجة لذلك جفت المنابع القيادية كمحصلة لما سبق ، وبدأت القوى السياسية الأرترية تدفع ثمن ذلك  خاصةً بعد أن ظل الأفراد الذين أسسوا أو شاركوا في تأسيس أو في قيادة العمل السياسي عند بداية إنطلاقة التنظيم هم نفس الأفراد الذين يقودون العمل بعد ما يقارب من نصف قرن على التأسيس في بعض التنظيمات، وبنفس الوسائل والأنماط والأساليب، وأصبحت التنظيمات تدار بعقليات عاجزة عن التعامل مع الأحداث والوقائع ، أما لعجز لا ذنب لها فيه أو لعجز كان لها نصيب الأسد فيه، وما زاد الأمر سوءاً صاحب ذلك جمود ملحوظ إن لم تكن سلبية واضحة في اغلب الأحيان عند الكثير من كوادر وقواعد التنظيمات ولن نحيد عن الحقيقة إذا قلنا إن جميع التنظيمات تعرضت ودون استثناء  لما سبق  مع شيء من التفاوت بين تنظيم وأخر ، فقد ترك أفراد العمل السياسي برمته، وتعرضت تنظيمات بكاملها إلى هزات لم تقو على مواصلة المسير بعدها ، ووقفت تنظيمات أخرى حائرة ، لا تدري أتتقدم أم تتأخر، ولم تستطع تنظيمات غيرها مواكبة الأحداث ، فتحولت إلى قوالب جامدة ، كما انشقت تنظيمات على نفسها، وانحل غيرها ، وعجزت اغلبها عن تطوير استراتيجياتها وتحركاتها وتفاعلاتها على الساحة السياسية ، أما لفقدان العقلية القيادية المتجددة المتابعة للأحداث، وأما لفقدان عناصر التغيير فكراً وإستراتيجية ، ولا شك من جهة أخرى إن من بين قيادات التنظيمات والجماعات والحركات من عارض “الفردية” و”المركزية” وعاداهما ، لكنه عجز عن تغيير ذلك ، ولا شك أيضاً، انه قد تقدم بعض قيادي الصف الثاني ، إلى الصف الأول في مجالات عديدة ، لكن تقدم هذا البعض كان تقدماً غير طبيعي في أغلبه لأنه جاء إما سداً لفراغ أو تفاعلاً مع ظرف أو إستجابة لحدث ما ، ولم يأت نتيجة لتمرس الأفراد ونموهم وتطورهم في معمعة النضال والكفاح والجهاد داخل تنظيماتهم  في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والثقافية والإعلامية ، والفارق كبير وحساس جداً بين أن تتقدم قيادات الصف الثاني لقيادة العمل نتيجة لنضجها السياسي وبين أن تتقدم نتيجة لجفاف منابع الصف الأول ، أو نتيجة لعوامل غير طبيعية أخرى، فالكادر الذي يتقدم بعد تجربة وصقل في ميدان العمل والإنتاج يتحول إلى قائد ناجح قادر على أداء مهامه القيادية بكفاءة من جهة ويصبح دليلاً على نجاح التنظيم في تطوير كوادره من جهة أخرى، خاصةً إذا فشلت قيادات الصف الأول في تحقيق أهدافها ومواصلة مشوارها ، أما التقدم لسد نقص في الأفراد ، أو بسبب تغييب الهياكل التنظيمية أو بسبب إستقالات بعض قيادات الصف الأول، أو بسبب انشقاقات تنظيمية ، أو بسبب الشللية، أو القبلية أو المناطقية أو الطائفية أو غير ذلك من الأسباب غير الطبيعية، فيعتبر بروزاً أقرب إلى الإجهاض منه إلى الولادة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Shares

Related Posts

Archives

Cartoons

Shares