Awate.com

ماتت الشعلة، عاشت الشعلة للأبد

عواتي – نقاريت

أتت نسمة عليلة من الجنوب وهي تحمل معها رائحة خفية لروث الحيوانات والأزهار البرية بينما الأم تتألم  بمخاض طفلها الثاني. كانت فى المخاض لعدة ساعات قبل وصول الطفل الى هذا العالم وعندها

اتم الأب لتوه صلاة الفجر وبداء يعد بأصابعه عدد الزغاريد وهو يستمع بانتباه. كان قلقاً حتى وصل الى أربعة وهو يعد ، وإبتسم بكثير من الرضى وكان متأكد من ان المولود الجديد ولداً  لأنه لو كانت بنت كنا سيتوقفن بعد ثلاثة  زغردات ولكنهن زغردن إثنى عشر مرة. طبعت إبتسامة عريضة على محياه وحمد الله على المولود الذكر وتمتم قائلاً “الحمد لله”. خرج من كوخه الى ضوء الصباح وابصر إخته تأتي نحوه وعلى  وجهها إبتسامة عريضة واخبرته قائلة “الحمد لله الطفل متعافي والأم على أحسن حال”. رجع الى كوخة ووجهه يتوهج بالسعادة  وصلى ركعتين صلاة الشكر لله تعالى على ما أنعم علية.   

 امسكت الداية الطفل بأرجله وخبطت على ظهره مرتين وحينها خرجت منه صرخات حادة ، وضعته بعدها على صحن كبير يحوي ماء ضافئ وغسلته. لفته فى “جابي” نظيف ووضعته بجانب الأم التي كانت تسترخى بعد عناء المخاض. لم تتوقف الزغاريد فى الدار السعيد حيث أتين النساء من كل الأربعون كوخاً فى القرية ليباركن للأم مولودها الجديد ، والرجال فى طريقهم الى مزارعهم المجاورة كانو يتوقفون لتهنئة الأب ، ومروا بعد إن أحتسو القهوة من فناجين صغيرة وهم فرحين لقدوم المولود الجديد ، كل واحد منهم يقول لنفسه والحمد الله قد ذدنا واحداً وخيراً لقريتنا عدوددركي.

علي الدركي ، عدوددركي

 نشأت القرية فى وسط غابة كثيفة إختفت من سنين مدت ، وكل البيوت فى القرية مبنية من اشجار تلك الغابة التى كانت تغطي المنطقة بكاملها. عاشوا السكان مبعثرين فى الوادي على طول مئأت السنين ، قبائل تأتي و قبائل ترحل الى ارض اخري وتخلف من ورائها سمات عاداتها ومقابر موتاها وانعام من نسل اخر. إنه كان فى وسط تلك الغابة القديمة فى غابر الزمان عندما وجدوا بعض الناس رجل صوفي يعيش وحيداً بين الأشجار يعيش بالصيد ويمضي وقته وهو يقراء القرأن ويتعبد. كان يختفي من انظار الناس الذين كانو يعيشون فى الوادي حتى إكتشفو وجوده بالقرب منهم.    

 كانوا معجبين بتواضعه وتفانيه فى العبادة وبحياته البسيطة. اخبرهم قائلاً  ” ان إسمي علي الدركي” ، وإستمعوا اليه وهو يقراء القرأن بجمال اخاذ ، وإكتشفوا إنه رجل علم  يتجنب الحياة الدنيوية. أتي أسلافه من بلاد بعيدة ، من الجزيرة العربية ، عن طريق دهلك وإستوطنوا على شواطي البحر الأحمر. وكذلك سكان الوادي ترجع إصولهم وجزورهم الى نفس المكان والشعب نفسه ، الى قبيلة  البلو التي حكمت وإذدهرت فى رقعة كبيرة من إرتريا الحالية.  إنها كانت مجموعة صغيرة من البلو من سكنوا اولاً على وادي قريب من نهر مرب ومعروفون بـ ” إندا موعلم” وان إحفادهم اليوم جزء من امة الجبرت.  

 فى صبيحة ذلك اليوم عندما وجدوا علي الدركي إكتشفوا كذلك إن لهم إصول مشتركة معه، ودعوه الى قريتهم ولكنه رفض ان يغادر الغابة الهادئة وقال لهم إن حياته يفترض ان يقضيها بين اشجار الغابة ، وإنه فى حقيقة الأمر كان ممتعضا من ان الناس إكتشفوا مكانه حيث كان قد وهب حياته  لحياة الصوفية وكان يريد ان يُترك وحيداً فى وحدته ، ولكن ذلك لم يكن ممكنا بعد الأن. كان بإمكانه ان ينتقل الى مكان اخر او غابة اخرى ولكنه لم يفعل ذلك. 

طلبوا منه سكان الوادي ان يعلم أطفالهم القرأن الكريم وحاولوا إقناعه قائلين “ان الله سوف يستحسن ذلك” ، ولم يعارض علي الدركي ذلك ووافق على طلبهم  بشرط واحد وقال “ان يحضروا الأطفال اليَّ ، وانا لا اغادر هذه المكان”. حسنا قالوا سكان الوادي ، وإن كان المكان منعزلاً إلاَّ إن كثيرون منهم يمروا به وهم فى طريقهم الى مزارعهم  وبحثا عن العشب لبهائمهم ، وعلى كل حال ان الأطفال هم من يقومون برعي البهائم ويمكنهم ان يتناوبوا بين تعليم القرأن ورعي البهائم ، او يقعدوا على ربوت عالية ويمكنهم ان يراقبوا البهائم وهي ترعي وهم يقرأون القرأن تحت توجيه علي الدركي. 

واخيرا قرروا سكان الوادي من إنه إذا لم يأتي علي الدركي الى قريتهم فسوف يرحلون اليه ، واتوا الى حيث كان يقيم علي الدركي وبدأوا فى بناء أكواخهم ، ولاحقا خفف علي الدركي من موقفه المعارض وقبل كوخا بناه له سكان الوادي ، و بعد فترة وجيزة بنى سكان الوادي الذين كانو مبعثرين فى الوادي اكواخهم بجانب كوخ علي الدركي ، وظهرت من ذلك التجمع قرية كبيرة سموها عد ود دركي ، ومع مرور الزمن اختصر إسمها الى عدوددركي – إنها تلك القرية التي ولدا فيها المولود الجديد. وكان والده قد إختار له إسماً سيعلنه على الملاء فى اليوم السابع من ولادته. سماه محمد بشير فى ذلك اليوم من شتاء عام 1932. 

الراعي

 ترعرع محمد بشير فى قرية عد ود درقي قريبا من أنعام العائلة ، وكان يصاحب الرعات الى المراعي وهو لا زال صغيراً فى العمر، وفى عمر السابعة كان يأخد الأنعام الى المراعي بوحده وحينها كان يشعر من إنه بالفعل اصبح رجلاً كاملاً ، ولكن والده كان يريده ان يحفظ القرأن. كان محمد بشير يتناوب فى رعي البهائهم وتعليم القرأن مع إبن عمه برهي يحي ، وكانو الأثنين يمضون نصف النهار فى الرعي والنصف الأخر فى حفظ القرأن.

 نادراً ما كان يذهب بشير الى عدي خالا ، والتي كانت بمثابة مدينة كبيرة فى عالمه الصغير بالرغم من إنها فى الواقع كانت مدينة وادعة ذات شارع يتيم. أتي الى المدينة اول مرة وهو يبكي بعد ان ذبحو ثوره المحبب فى زفاف اخوه الكبير بعد ما بأت محاولاته للحيلولة من ذلك بالفشل. إنه كان يحب كل الأبقار وكان يشعر بالأسى والحزن كلما باع والده احد منها. فى يوم الزفاف لم يتمكن كل اعضاء العائلة من الإمساك بالثور ربما لأن الثور احسى إن ذلك اليوم كان نهاية حياته. توسلوا الى محمد بشير لترويد الثور الهائج ، وإقترب محمد بشير والدموع تنهمر على خده من الثور وربت على راسه بحنان ، وهداء الثور وبداء يلعق رجل محمد بشير. وضع محمد بشير الحبل على رجل الثور واعطاه لأخوه ، وفى الحظة التي شدد فيها اخوه العقدة بمساعدة ثلاثة اخرون وطرحو الثورارضاً راى محمد بشير رجل اخر يهرول نحوهم  وهو ممسك بالسكين لذبح الثور. لم يتحمل محمد بشير رؤية  ثوره المفضل يُذبج  وجرى من البيت وهو يبكي ولم يتوقف حتى وصل الى عدي خالا ، وعاد الى البيت فى جنح الظلام  بعد منتصف الليل. كان رحمه الله يتذكر دائما تلك الحادثة وهو يقول “بدل ان اكون فرحا بزواج اخي كنت ابكي على ثوري المفضل”.  

 فى تلك السنة اصبح  محمد بشير لا يهداء ولا يستقر له حال ، ولم يحتمل ان يكون بصحبة الأبقار التي كانت ستباع على كل حال ، وكره حياة الرعاة واحب ان يكون رجل علم.  فى عدي خالا راى بعض من اقاربه يكتبون ويقرأون الجرائد ، وكان يغارمن الحاج عبد الحي الذي كان يكتب ويقراء الشعر، وكان ذلك يجعله يشعر من أنه بالفعل دون مستوى الأخرين لأنه لم يكن بمقدوره القراءة والكتابة. اراد ان يذهب الى مصر من اجل تحصيل العلم حيث كان الحاج عبدالحي قد اخبره من ان هناك الكثير من المدارس فى مصر. كان بامكانه ان يغادر فى تلك السنة ولكن عدة حوادث حالت دون ذلك.   

الصدمة

فى ذات يوم كان المطر يهطل بغزارة طول اليوم وكانو محمد بشير وصديقه برهي يحيى يرجعون مع بهائمهم من المرعى الى قريتهم فى ملابسهم المبتلة  وهم يتأكدون من إنهم لم يفقدو اي من حيواناتهم. كانو قربين من القرية عندما سقطت صاعقة على برهي وقتلته فى الحال ، مما نتج عنه صدمة كبيرة لمحمد بشير ولم يستعد عافيته بعد تلك الحادثة لمدة طويلة ، وبعد شهور قليلة توفيى والده وكان عليه ان يتحمل من مسؤوليات الأسرة. مع كل يوم يمر كان حلمه بالسفر الى مصر لتحصيل العلم يصبح اكثر صعوبة  وبعيد المنال. إنها تلك الأوقات التي إنتقل فيها اخوه الكبير ووصيه الشيخ ادم الى عدي خالا وفتح دكان لبيع الأقمشة وحياكتها حيث تعلم محمد بشير حرفة نسج الملابس القطنية التقليدية. اخذ محمد بشير تلك الفرصة لتوفير المال لتمويل رحلته المترقبة الى امدرمان فى السودان ومن ثم الى مصر. كان فى عمر العشرين وكان عليه الزواج ولكنه اعتبر الزواج إلهاء من هدفه ولكن تحت ضغوط العائلة تزوج فى عدي خالا. لم يوهن الزواج من عظيمته و لم يسقط ابداً ذكر العلم وحديث مصر من مناقشاته وحواراته مع الأخرين ، وكانوا مجموعة الأصدقاء يضحكون على افكاره تلك ولم يكن يظنو ان محمد بشير الذي تخطى العشرون عاما وهو لا زال أمي سوف يكون يوما ما رجل علم ، ولكنه كان يبتسم لهم بثقة تامة لأنه كان يعرف من ان من يضحك فى النهاية هو المنتصر.      

 كان فى الواحد والعشرين عندما ودع الجميع وإنتقل الى اسمرا ، ولم يمكن هناك من يعتقد من إنه سوف يذهب الى ابعد من ذلك ، ولكن محمد بشير كان مصمم على السفر وواصل رحلته الى تسني وتسلل عبر الحدود الى كسلا ومنها وصل الى إمدرمان والتي لم يكن يعرف فيها اي إنسان. قابل فى المسجد بعض من الناس الذين اخبروه  من ان ما لديه من المال لا يكفي لتغطية تكاليف السفر الى مصر، وعرض عليه امام المسجد وظيفة متوادعة وعمل مؤاذناً لمدة ثمانية شهور، وبعد فترة تحصل على عمل فى مركز للصحة واستمرا فى عمله يعمل ليلاً ونهاراً ، وفى النهاية وفرا ما يكفيه من المال وواصل رحلته بالباص والقطار ومشياً على الأقدام فى الصحراء وتماما مثل ما دخل السودان فقد عبر الحدود متخفياً الى مصر، وعند وصوله الى القاهر إستفسرا عن الطريق الى جامعة الأزهر واخبر الناس من إنه ينوي التسجيل للدراسة فيها. ضحك عليه الناس عندما علموا  إنه امي لا يقراء ولا يكتب وكان هناك من تفكه عليه قائلاً ” إنك لا تعرف حتى الإمساك بالقلم الرصاص!” 

ولكن محمد بشير كان يقول لهم “ارجو منكم ان تعلموني ذلك ” ولكن إصراره جعل الكثرين ان يتعاطفوا معه وان تمسكه وتشبثه اوجد له الكثرين من الأصدقاء الجدد الذين بدأوا ان يأخذوه بجدية ولكنهم كانو متشككون من ان بأمكانه ان يبداء الدراسة فى ذلك العمرالمتقدم نسبياً. بعض من أصدقائه الجدد إقترحوا عليه ان يلتحق بمركز لتعليم الكبار والبعض الأخر تطوعوا ان يعطوه دروس خصوصية ، وبعيون  تلمع من الفرح بداء الدراسة بحماس كبير. بداء الدراسة فى المرحلة الإعداية إبتداء من إجادة الحروف الأبجدية وساعداً ولم يأبه بالسخرية به من قبل الأخرين وتجاهل نكتهم واستمرا فى الدراسة وهو يبتسم ويتعلم .

  العودة الى الوطن

 فى عام 1967 بعد إنتهاء الحرب العربية – الإسرائيلية كان محمد بشير فى الطائرة فى رحلة العودة الى إرتريا. كان يحمل تحت إبطه درجة علمية من كلية دار العلوم فى جامعة القاهرة. فى رحلة العودة توقف فى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية ولكن هذه المرة لم يضحك عليه احد وكل من عرف قصته كان منبهراً به. محمد بشير الولد الراعي من قرية عدي وددرقي كان عائداً الى قريته وقد اصبح رجل  كبير يحمل شهادة جامعية. كان إنسان لطيف متبسم متعلم . كان إنسان غير أناني متفاني و شفوق ، وفى جدة أصبحت قصته موضوع الحديث بين اوساط افراد الجالية الإرترية. وجوده فى السعودية كان من اجل إداء مناسك العمرة قبل الرجوع الى الوطن ، وكثيرون من الناس حاولو إثناه من مشروع العودة وقالو له ” بدون شك إنك سوف تجد وظيفة ممتازة هنا فى جدة” ولكنه تمسك بخطته وقال لهم

” لا ، إنني راجع الى البلد.”

لم يكن هناك من يفهم لماذا يصر إنسان يحمل شهادة جامعية تمكنه من الحصول على عمل مجزى فى السعودية  من الرجوع الى إرتريا حيث سوف لا يكسب من المال عشر ما يمكن ان يكسبه فى جدة وهذه إذا وجد العمل أصلا فى إرتريا. وكان يؤمئ براسه فى إشارة من إنه يفهم ما يقولون ولكنه اختار الرجوع وحسم امره وصمم على ذلك. قال لهم

” إنني  عشت  حياة مؤلمة ولم انسى ابداً من إنني كنت إنسان أمي ، وإنني اعرف من ان هناك الكثيرون من الإرترين الذين يحملون نفس الألم – إنني سوف إساعدهم لتخفيف ذلك الألم. سوف إساعدهم ان يتعلمو الرضا عن انفسهم.” لم يكن هناك الكثيرون الذين تفهموا أفكاره الغريبة. وصل محمد بشير الى مطار أسمرا فى يوم مشمس وصلى شاكراً مولاه فى المطار وقبَّل ارض المطار. ان من عرفوه راعي من قبل لم ينظروا اليه كذلك بعد ذلك اليوم ، ما رأوه لم يكن محمد بشير بل رأوا  الإلهام والأمل متمثلا فيه. 

 لم ياخذ محمد بشير الكثير من الوقت قبل ان يُظهر خطته بالكامل. تقابل مع إناس اخرون لهم نفس التفكير وشرعو فى برنامجهم الطموح وهو إقامة مدرسة اهلية ، وبالفعل نفذوا المشروع وهكذا افتتحت مدرسة الضياء الموجودة فى حي أخريا ، احدى الأحياء الكبيرة فى مدينة اسمرا. المدرسة الصغيرة المتواضعة التي إبتدأت فى ثلاثة غرق كبرت وتوسعت عدة مرات.

اليوم يمكن للمرء ان يسافر الى اي بقعة من العالم حيث يتواجد الإرتريون وسوف يجد الكثيرون من الحرفين ورجال الأعمال وزعماء الجاليات من خريجي مدرسة الضياء ، وكلهم يتذكرون الأستاذ محمد بشير بكثير من الإعجاب والإحترام.

  المعلم الذي يعاني من الشلل

  تعرض الأستاذ محمد بشير لجلطة فى عام 1990 تركته فى  شلل نصفي ، ولكنه لم يتوقف من التدريس بنصفه المعافي.

زرته فى يونيو من عام 1991 بعد عدة اسابيع من تحرير إرتريا ، كان الوقت حوالي الثامنة مساء وتأجرت سيارة تكسي الى حي أخريا فى أسمرا وعند وصولي الى الحي سألت صاحب دكان فى الحي ان يدلني الى منزل الأستاذ محمد بشير. إصطحبني طفل فى حوالي الثانية عشر من عمره فى الزقاقات الضيقة الى بيت الأستاذ على بُعد شارعين ، وبما ان الكهرباء فى الحي كان مقطوعاً فى تلك الليلة كان الظلام فى أشده ووصلنا الى باب غير مغلق ودلفنا الى داخل الدار ، وفى داخل الدار رايت نور باهت مصدره مصباح الفانوس البلدي ، وعندما إقتربت رأيت مجموعة من الأطفال فى حلقة يفترشون القرفصاء وفى وسطهم رجل يقعد على كرسي ، وتلك كانت المرة الأولى التي أرى فيها الأستاذ محمد بشير. ترددت بعض الشيء خوفا من أنني ربما سوف أقاطعه فى ما كان يعمل إذا علم بوجودي ، وعندما رأني لوح لي بيده وأنهى حصته مع الأطفال. حاولت ان أخفي إرتباكي لتسببي فى مقاطعة حصته ولكنه اكد لي من ان الوقت بالفعل كان نهاية الحصة. إقتربت نحوه أكثر وفى كل ذلك الوقت كنت محتاراً لماذا لم يقم من حيث يجلس ، وعندها رأيت من إنه لم يكن يحرك إحد يديه ورجليه. تذكرت إنه كان مريضاً ولكن لم يخبرني احد من إنه كان يعاني من الشلل ، وكذلك لم يخبرني احد من إنسان مثله يعاني من المرض يعطي دروساً خصوصية ليلية للمحتاجين من اطفال الحارة. كدت ان ابكي امام ذلك الموقف الإنساني ولكني قاومت دموعي وتظاهرت من إننى على ما يرام. تحدثنا لبعض الوقت ولم اكن اعلم إنني سوف لن اراه ثانية ، ولم  يخطر  ببالي حينها ان اجري معه مقابلة صحفية او اسجل صوته او أأخذ له ومعه صور تذكارية. لم أعرف حينها إنني أضعت من بين يدي كنزعظيم وكم منا لا نولي إهتماما لمثل هذه الكنوز التى يمكن الإمساك بها بسهولة لوعرفنا قيمتها؟

 ماتت الشعلة، عاشت الشعلة للأبد

 فى التاسع والعشرون من ديسمبر عام 2009 وقبل يومين من نهاية السنة أتتني مكالمة تلفونية يقول صاحبها  “توفى اليوم الأستاذ محمد بشير” وكم حزنت على ذلك الحدث الجلل ، كان إنسان حمل شعلة الضياء لعدة عقود قبل ان تخباء شعلة حياته.

 دُفن الأستاذ محمد بشير فى أسمرا فى جنازة كبيرة تليق بمقامه وخرجت الجماهير الغفيرة من طلبته واحبته ومعارفه واهله لتوضيعه الى مثواه الأخير. اللهم تقبله برحمتك الواسعة.

negarit@awate.com

 إضافة: تحدثت مع الكثرين من اصدقاء ومعاصرين واقرباء الأستاذ لكتابة هذه السيرة المختصرة جداً ، ومن خلال ذلك علمت عن الكثرين من الفرسان الصامتون المجهلون الذين كانوا شركاء الأستاذ فى إنشاء مدرسة الضياء ، وعلمت كذلك عن الصعوبات التي تواجه مدرسة الضياء تحت حكم نظام الهقدف ، ولكنني تفاديت ذكر ذلك لأنني أردت ان اكتب تأبين لمعلم كبير. إذا كان هناك إي من القراء الكرام من كانت له تجربة او حكاية او حدث مهم عن المرحوم الأستاذ محمد بشير او عن مدرسة الضياء أرجو ان تتصلو بي وشكراً لكم مقدماً.

زغردن النساء القليلات الموجودات فى الدار إثنى عشرة مرة يرحبن بالمولود الجديد. الداية العجوزة التي اتت مشيا على الأقدام طول السبعة  كيلو متراً من عدي خالا لمساعدة الأم الحامل شعرت بالإمتنان بالمولود الذي ولد حيا ومرت على وجهها إبتسامة سعيدة وهى تأمل بهدية مجزية من الوالد ، وقالت لنفسها ربما شأة حلوب وإنها تستحقها لأن المولود ذكر.

Shares

Related Posts

Archives

Cartoons

Shares