السفير القاتل
في مقابلة مع صحيفة ” المصري اليوم” القاهرية بتاريخ ٢٤/ ٣/ ٢٠١٠ أبدى سفير الطاغية في مصر ” فاسيل جبريسلاسي” إستحسانه لجرائم قتل الإفريقيين والإريتريين الذين يحاولون اللجوء لإسرائيل التي تقوم بها السلطات المصرية محرِّضا على ارتكاب المزيد منها وتعدّى ذلك إلى تجريم الذات دون خشية من حساب أو عقاب بالكشف :
“أن بلاده تتفهم موقف السلطات الأمنية المصرية عندما تقوم بإنذار الإريتريين وهم يحاولون الهروب عبر حدودها، ما يدفعها إلى تصويب النيران تجاههم إذا لم يصغوا لإنذاراتها، بهدف توفير الحماية الأمنية لحدودها.
وأضاف السفير: “لا نستطيع أن نقول إن الإريتريين يتلقون معاملة سيئة من قبل السلطات المصرية، لأن القانون الدولى يمنع التهريب”.
ما الذي يمكنك أن تقوله في هذا ؟ تحريض على الجريمة؟ اليس المحرَِض في شرائع الأمم المتحضرة كمرتكب الجريمة بل و أشدّ جُرماً؟ ثم من الذي يقول ويحرّض على ذلك….اليس هو سفير إريتريا وممثلها في الدوله التي ذبح فيها (خلال عامي 2008 و2009 ) 62 افريقياً الغالبيه منهم من الإريتريين؟ أليس هذا هو العجب بعينه؟ نعم عجيب! وخاصة أن السفير يثير القانون الدولى وهو يعلم تمام العلم أنه سفير دولة مارقة لا شرعية لها ولا دستور ولا تعرف القوانين حتى ما كان يخص منها لتنظيم المرور وتكاد أن تكون الأمة الوحيده في عصرنا التي أقرّ لها حكامها العشوائية والفوضى والظلم قانوناً وشريعة وهذا النبيه يشهر ما يُخَـيّل إليه أنه سيف القانون الدولى في وجه الخائفين و اللاجئين الأبرياء في العالم أجمع على مشهد ومسمع من الجميع ويصرح لنفس الصحيفه في الحديث المذكور :
“وفى هذا الصدد، أكد السفير الإريترى أن أى إنسان هارب من بلاده لا يتمتع بأى حقوق، وأشار إلى أن هذا ليس فى مصر فقط بل فى أى دولة فى العالم من أجل حماية حدودها. وأضاف: «نتفهم جيدا أن سيناء منطقة حدود حساسة بالنسبة لمصر، نظرا لوجود إسرائيل”.
هذه لغة جديده للدبلوماسية وغير مسبوقه في التاريخ الد يبلوماسي وقد تجعل من السفير “جبريسلاّسي” رائدها الأول، وإن وجدت نفسك أيها القارئ على خلاف مع هذا التقييم فقل لنفسك إن استطعت اسم ذلك الدبلوماسي الذي حرّض الدولة المضيفة على قتل مواطنيه خلال الألف سنة الماضية غير سفير جهنم هذا .
وربما بدت تصريحات السفير القاتلة معزولة وغير ذات صلة بمّا حولها ولكن قليلاً من التدقيق والبحث سوف يفضي إلى حقيقة أن تصريح السفير القاتل لم يكن معزولا كما يبدو بل أنه يجيئ في سياق منطقي مرتبط بما سبقه من إدانة صريحة من جانب المؤسسات الدوليه الإنسانيه لعمليات القتل اليومي للإريتريين والأفارقة والتي يقوم بها المصريون كما أن هناك احتمالاً- يكاد أن يكون يقيناً – أن تصريحات السفير لم تكن بغرض خدمة إريتريا ولا بهدف تحسين سمعة زعمائه لأن تصريحات هذا السفير لم تؤدي إلاّ إلى تثبيت ما يقال عنهم ويُتّهمون به وعن دمويتهم وغرقهم في بحور دماء مواطنيهم. إن تصريحات سعادته جاءت وكأنها خدمة يؤديها لدولة المخابرات المصريه التي كانت في قمة الإحساس بالحرج ليس من جرائم القتل اليومي للإريتريين وغيرهم من الإفريقيين بل من جراء التوبيخ الذي وجهته السيده “نافي بيلاّي” المندوب السامي لمجلس الأمم المتحده لحقوق الإنسان وكما أوردته وكالات الأنباء في صباح يوم الثاني من مارس 2010 وقالت فيه عن جرائم مصر ونظامها العنصري في حق الأفريقيين:
” بالرغم من حقيقة أن كثيراً من اللاجئين يفقدون حياتهم عرضا أثناء سفرهم على متن قوارب مكتظة أو وهم يحاولون عبور أراض حدود بعيدة، إلاّ أنني لا أعرف بلدا آخر غير مصر يقتل هذه الكثره من المهاجرين واللاجئين العزّل عن عمد وسابق تصوّر بواسطة قوات حكومية “
ولقد ذهبت السيده “بيلاي ” لحدّ مطالبة : ” إجراء تحقيق مستقل وذو مصداقيه في جرائم القتل هذه ” والتي يقرها ويتفهمها السفير العجيب.
والسيدة “بيلاّي” تمثل بحكمً منصبهاذراع من أذرع الشرعية الدوليه التي حاول السفير النبيه أن يتقمص دورها قرصنةًً ويصدر فتاوى قانونية دولية و هو لا يفقه في القانون حجم خردلة . وفي الحقيقة فإن الأمر في مجمله لم يكن إلا محاولة مصريه للتنصل من مسؤليه جرائم قتل الإريتريين بالتظاهر بأنهم إنما ينفذون رغبات الدولة الإريتريه ومن المفترض حسب منطقهم هذا أن على العالم أن يبرِّئهم من الدماء الإريتريه والإفريقية التي يريقونها بلذة ظاهرة و أن يصدق أن النظام المصري لا يقوم بما يشين بدليل أن سفير الدولة التي يسقط أبناؤها ضحايا هذه السياسة الإجرامية لا يرى في الأمر حتى ما يرقى إلى سوء المعاملة ناهيك عن الجريمة ، ألم تنقل الصحيفة وتقول:
وأضاف السفير: “لا نستطيع أن نقول إن الإريتريين يتلقون معاملة سيئة من قبل السلطات المصرية، لأن القانون الدولى يمنع التهريب”.
هناك بـُعد آخر لهذه العملية في ما يخص المصريين. فدفع الإريتريين للجهربمشاركتهم لهم في جرائم قتل الإفريقيين التي يقومون بها على أرضهم هو محاولة لتوسيع دائرة المسؤلية الجنائية لتخفيفها عنهم كما يُغَش اللبن بتخفيفه بإضافة الماء إليه، وكل ذلك تحسباً لمعارك قضائيه دوليه ربما اضطروا لدخولها وهو احتمال واقعي وحدوثه غير مستبعد إن أولت منظمات المجتمع المدني الإريترية الناشطة في أوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا العناية التي تستحقها هذه القضية الخطيرة وحاولت إشراك منظمات إفريقية ودولية تعمل في أوطانهم المتبناة .
ولعل السفير لم يحب أن يلحظ أن تصريحاته تلك تدخل في باب ستر وحجب قذارة الساحة الخلفية لسياسة مصر الإجرامية تجاه الإريتريين ، والتي يزعم رئيس إريتريا ذاته أنه لا علم له بمثل هذه الأمور بينما أمثال سعادة السفير يزايدونه بل إنهم في لهفتهم على اظهار وإثبات ولائهم له يتفوقون عليه (أو كما قد يقول عنهم زعيمهم نفسه: يصبحون “أكثر كاثوليكية من البابا”) فينسى أحدهم نفسه في غمرة ذلك فيصبح هو الوحيد (كما هي الحال الآن مع السفير “جبريسيلاسي”) من بين كل شركاء الجريمة الذي يزهو بافعاله المشينه وينسى معه أنه أيسرهم سقوطاً في قـفص القضاء إن لم تصبه لعنة “محمد أبو الخيرات” قبل ذلك وتقضي عليه. وربما كان من الأجدى لو أن مثل هذا المعتوه تمعن في تلك القصه التي رواها الملازم كيداني على صفحات “عواتي” وفصّل فيها كيف أن “أبو الخيرات” اعترف على نفسه بجريمة لم يرتكبها خدمة لمخابرات الدولة الإريتريه التي وعدته النعيم عند انتهاء المهمة فدفع من حريته وفي نهاية الأمر دفع حياته كلها ثمن تعامله الساذج مع جهاز مخابرات بسذاجة لا تضاهيها إلا سذاجة السفير الإريتري في القاهره الآن في تعامله مع دولة المخابرات المصرية أو الإريتريه فوضع نفسه عند كليهما موضع دليل الجريمة التي لا مفر يوماً من إعدامها.
ولا يبدو أن هناك في تاريخ الدبلوماسية الدوليه كثيراً ممايماثل هذه القسوة السافرة التي أبداها ممثل الدبلوماسيه الإريتريه في مصر تجاه مواطنيه (وكأنه سفير دولة تحتل إريتريا لا سفير دولة إريتريا نفسها) ، ولا يحضر كاتب هذه السطور ما يماثل موقف السفير وهذه الكراهية العجيبة من الدبلوماسية الموجهة لمن كان من المفروض أن تخدمهم وتمثلهم سوى موقف الإمبراطور تيودروس الإثيوبي الذي نقله لنا الكاتب الأسترالي ” آلان مورهيد” في كتابه ” النيل الأزرق” حيث يقدم لنا الإمبراطور في قلعة ” ماجدلا” الشاهقة وهو يتحدث إلى سجينه البريطاني – العراقي “رسّام” الذي شهد بعض المرتزقة الألمان وهما ينتهون من صنع مدفع ضخم لحساب الإمبراطور ونقله إلى القلعة لتصويبه من أعلاها على الجنود البريطانيين بقيادة اللورد “نابيير” الذين كانوا في طريقهم لفك أسْر رعايا بريطانين ومن بينهم سفير صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا الذي زج به الإمبراطور في السجن لأسباب لا مجال لإيرادها هنا.
قال الإمبراطور وهو يشير لمدفعه : ” إن هذا المدفع لم يصنع لاستعماله ضد البريطانيين، بل لاستعماله ضد مواطني الأحباش”.
ولم تكن هذه الملاحظة هي الوحيدة التي ساقها “مورهيد” ومن أخذ عنهم للتدليل على اضطراب عقل الإمبراطور والتى أخذت لها مظهر كراهية شعبه فهو يذكر في موضع آخر من كتابه مصوراً الإمبراطور وهو يكشف عن سريرته للعراقي البريطاني “رسّام ” مرة أخرى قائلاً:
” إن الأحباش شعب سيئ الطوية خبيث الجوهر”
ولو عرفت لماذا أساء الإمبراطور الظن بشعبه إلى هذا الحد لعجبت عجبك على تحريض رسميو إريتريا على قتل أفراد شعبهم . فالإمبراطور يواصل بقوله:
” إنهم على استعداد ليقفوا في وجه كل حكومة مصلحة ودائماً على أهبة التمرد والعصيان”
وربما كان ” مورهيد” ومن نقل عنهم متحاملون في حديثهم عن تيودروس وربما كان وصفهم له ولأفعاله لا تصدُق إلاّ على بنات أفكارهم، وربما طوعوا أحداث أيامه لتنسجم مع تصورهم واختياراتهم التي تأخذ مركزية أوروبا في تفسير التاريخ، أي تاريخ كان. ولكن ذلك لا ينفي أبداً أن يكون ديكتاتور إريتريا وكأنه تجسيد لتيودروس الذي وصفه”مورهيد ” ومن نقل عنهم، والأمر سيّان إن صدق ذلك الوصف وماثل الحقيقه والواقع أو خالفه.
وفي الحقيقه فإن ما يحدث في إريتريا الآن في القرن الحادي والعشرون يكاد أن يكون مطابقاً لما كان يحدث في إيثيوبيا القرن التاسع عشر تحت حكم الإمبراطور تيودروس كما وصفه صاحب كتاب النيل الأزرق فهو- أي الإمبراطور- مثلاً كان قد أمر بمنع ممارسة أي دين لا تعترف به الدوله الإثيوبية وبما أنه كان يسعى لتوحيد الحبشة سياسيا فأنه رأى أن توحيد الديانة فيها يشكِّل عنصراً من عناصر توحيد بلده و في تلك الحالة لم تكن لتعترف الدولة إلا بالمسيحية الأرثوذكسية وعليه فلقد أمهل المسلمين واليهود والفئات الأخرى فترة بعدها يتعرضون لغضبه وتنكيله الذي لا حدود له.
أليس هذا ما يفعله الدكتاتورالإريتري وحزبه الآن ؟ ألم يعلنوا بأن الدوله لا تسمح بانتماء الفرد إلا لأديان معينه وليست غيرها وأن هذه هي تلك التي تعترف بها الدوله فيوسَم صاحب عقيدة البهائيه و اتباع شهود يهوه وكنيسة البنتكوستال و آخرون مهرطقون ومخالفون لأوامر الدوله لاتباعهم ضمائرهم مما يتوجَّب عنه سجنهم ومطاردتهم بل و قتلهم بعيداً عن ساحات العدالة. وكما حدث مع تيودروس آنذاك في إثيوبيا يحدث الآن في إريتريا: اصطدام السلطة التي تريد التسلط على الضمائر مع تلك المؤسسات الدينيه والتي كانت نفس هذه السلطه قد أعلنت قداستها في الماضي بل وحكمت على من يتبع غيرها بالجحود وخيانه الوطن .
وكما كان عمّال وأنصار “تيودروس” يتبعون مصالحهم وسبل ملء بطونهم حين يتبعون الإمبراطور وينفضون عنه حين افتراق المصالح ، أذ أن حلفهم لم يكن إلا” تَجمع الذئاب على الجيفة “، كذلك هم الآن عمال الدكتاتور الإريتري، لا تجمعهم إلا مصالحهم ونداءات بطونهم كما نراه مثلأ حياً مُمَثّلاً في تساقط سفراءه وممثليه بالخارج وتكالبهم على أبواب الهجرة في الغرب والشرق. فكل دبلوماسي من دبلوماسي النظام اليوم هو لاجئ محتمل في نهايه نفس هذا اليوم ولا يختلف سفير النظام في القاهرة عن رفاقه أولئك ومن سبقوه إلا في أنه قد نزل لحسن حظه سفيراً في محط نظره ومقر لجوئه النهائي : القاهرة …… لماذا؟ا ولفهم “لماّذا”هذه لا بد من الإفتراض بأن القاريئ ربما يسأل نفسه من أين اتى هذا السفير بكل هذه القسوه التي تصل به لحد التحريض على قتل أبناء جلدته وهو المؤتمن على مصالحهم وأمنهم؟ أليست حماية المواطن ومصالحته صفة ووظيفة السفارات . أي نوع من الدبلوماسيين هو هذا الهمجي الذي يحرض على القتل؟ أليس هناك ما يخشاه؟ كان جميلاً لو قلنا عنه جاهلاً ولكنه يقول عن نفسه أنه من حملة الشهادات الجامعية، وكان الأمرسيكون أكثر حسناً لو كان مستطاعاً أن يقال عنه أنه كادر من كوادر الفكر وإن كان رجعياً وفاشيا،ً ولكننا نرى أن الميدان أو الميادين التى جاء منها والتي خدمها ويخدمها الآن هي تلك التي أعلنت إفلاسها الفكري والأخلاقي مبكراً. إذن هل هي القبليه والعصبية القبلية؟ وحتى هذه لا يمكن أن تلصق به نظراً لأصله ونشأته وضحالة معرفته بالمجتمعات الإريترية والتي لم يرها في بيئتها الأصلية في إريتريا قط إلا بعد زوال الإحتلال الإيثيوبي.
هل من الجائز إذن أن نسأل لماذا يعدم التعاطف نحو أبناء جلدته مكاناً له في قلب هذا الوحش الآدمي أعلينا أن نفهم إذن أن الرجل لم يذب ويحس انتماءاً للمجتمع الإريتري كما يجب بحيث يؤوي في نفسه التعاطف نحو مواطنيه فيكره أن يصيبهم مايكره لنفسه؟ هل يمكن لتلامة القلب وبلادة الفواد عند سعادة السفير أن تصل للتشفي في مصاب قومه بل وبالنطق بهذا التشفِّي والتعبيـر عنه بصوت مسموع ؟ هل يحس هذا الرجل جزء من عُـشر ما يعانية مواطنيه الآن ؟ هل أدار الأمر في ذهنه وتخيل ولو للحظة ذلك اليأس الذي يسيطر على نفس ذلك الشاب في مقتبل عمره (و في عمر أحد أبناءه) يخاطر بحياته وهو يعلم أن حسابات الموت أكثر احتمالاً من حسابات الحياة في الحدود المصرية الإسرائيليه. ألم يكن من الممكن لسعادة السفير تخيل مقدار اليأس والخوف الذين يعتريان ذلك الشاب لحظة إعدامه ؟ ثم ما الذي يحسّه بعد أن يسقط على الأرض ورصاصة المصري قد اخترقت الظهر لتفلق القلب أو تمزق الأحشاء ؟ ثم حشرجة الموت التي تخرج من صدر الفتى قبل السكون الأبدي؟ كيف لسعادة السفير ، سفير الموت هذا بعد كل ذلك يأتي ليشمت في من قتلوا بدم بارد ليحرِّض على المزيد ؟ أي وحش آدمي هو هذا السفير الهمجي؟ إن ما قاله تعدّى كل جلافة وغباء سياسي و دبلوماسي إلى ما يشبه- بل هو دون شك – عمالة مخبِر للدولة المصريه ونعني به هنا عمالة الدوله الإريتريه للحكومة المصرية إن كان ما قاله السفير هو ما تقول به بالضبط إريتريا الرسمية ، أو أنه عمالة من السفير ذاته للدوله المصرية إن هو ضخّم وبالغ من موقف إريتريا وتشدّد فيه بما يتجاوز تعليماته (وإن كان في نفس الإتجاه) بما يضعها تحت طائلة القانون الدولى سواء بسواء مع القاتل المصري .
هل ما نطق به السفير إذن هو نفس التعليمات التي زودته بها حكومة الطاغية كلمة بكلمة دون زيادة أو نقصان ؟ لا يُـظَن ذلك ..لأنه من غير الممكن لحكومة كالحكومة الإريتريه تعتمد العشوائية في أسلوب إدارة الدولة أن تكون بهذه الدقة التي تصل حتى الكلمة في أي أمر من الأمور. نعم ربما تصدر التعليمات والخطوط العريضة لسياستها في أمر ما ،ومن المفترض أن على السفير كما هي العاده صياغتها في لغة دبلوماسية لا تسبب لبلده جدل أخلاقي أو قانوني . (وفي حالة الحكومة الإريتريه فإن الجهة الرئيسة صاحبة التوجيه لن تدري تفاصيل تنفيذ تعليماتها لأن هذا يتطلب الدقة….. مرة أخري)
لا نحسب طبقاً لهذا إلا أن السفير كان ينتهز الطبيعة المتشنجة لزعيمه لأمر في نفسه ويستغله آخذاً ذلك التطرف والتشدّد إلى نها ياته المنطقيه فيكون قد سهّل لنفسه زعم أتقان تصوير أستاذه وموقف أستاذه من جهة ويكون من جهة أخرى قد أسدى للسلطات المصرية جميلا مؤجل الدفع لحين الحاجة وهي حاجة آتيه قريباً لا ريب في ذلك، وعلى رأي المصريين أنفسهم : ” تقدم السبت تلاقي الحد” ، فما هو “يوم الأحد هذا الذي يتوقعه السفير؟
علينا أولا أن نفترض أن لتصريحات السفير الإريتري في القاهرة جانب شخصي لا بد من الأحاطة به إذا ما أردنا فهم وتقريب ما أتى به من شذوذ دبلوماسي وقسوة وحشية واعتداء بالتزوير على القانون الدولي هدفها تحقيق مصالحه الشخصية والتي تقاطعت هذه المرة مع أهداف النظام المتسلط في إريتريا ومخابرات النظام المصري العنصري. والإفتراض مقبول ومعقول لأسباب نفسيه ووقائع موضوعية:
فالسفير الإريتري نصف مصري من جانب أمه المصرية وربع إريتري من جانب أبيه الذي هوبدوره نصف إريتري ونصف إثيوبي. ولد السفير في مصر وعاش فيها كل سنوات عمره التكوينيه مصرياً مع أقل القليل والضروري من الإحتكاك بالإريتريين وحتي التخرج من جامعة مصريه. وفي الحقيقه فإنه لم يكن يفهم أو يتكلم أية لغة إريتريه حتى فيما بعد تخرجه حائزاً على شهادة العلوم السياسيه رغم ذكائه المتوسط . وحين تخرجه من الجامعة المصريه في منتصف السبعينيات كانت الحكومة المصريه ما زالت تمتنع عن منح أوراق الثبوت والجنسيه للمواليد من أمهات مصريات وأباء أجانب مما يجعل أبواب سوق العمل في المستقبل موصدة أمام وجوههم خلافاً للذين يولودون لأباء من المصريين وأمهات أجنبيات. لذا فإن انتهاء سفير المستقبل من دراسته الجامعية في ذلك الوقت وضعته وجهاً لوجه أمام مأزق لم يستطع الخروج منه إلا بالإلتحاق بالجبهة الشعبية فقضى جُلّ وقته في بورسودان مع منظمة الإغاثة الإريترية التابعة للجبهة الشعبية. وفي مستهل التسعينيات بعد تحرير إريتريا دخل أسمرا لأول مرة في حياته ووجد نفسه لأول مرة وجها لوجه مع الشعب الإريتري في بيئته الطبيعية.
هل تظن إذن أيها القارئ أن رجلاً ولد في مصر وتعلّم فيها ودرس من الروضة وحتى الجامعة ولم يرى إريتريا إلاّ في مرحلة الرجولة وبعد تكوين الشخصية، هل ترى مثل هذا الرجل يحتوي في دواخله من المشاركة والتعاطف لإرتريا والأريتريين مثل ما لديه لمصر والمصريين؟ هل الإنتماء لمنظمة ما أو لجهاز من أجهزة الدولة عامل من عوامل الولاء؟ يمكنك الإجابة على هذه الأسألة إن وضعت أصبعك على العامل الحاسم الذي يخلق الولاء لمجموعة إنسانية (المجتمع الإريتري في هذه الحال) عند فرد من الأفراد. عالج الفيلسوف الثوري الأمريكي ” توم بين” في هذه المسألة بطريقة غير مباشرة حين كتب :
إن الجزء الأعظم من نظام العلاقات السائد بين البشر لم يقم بتأثير الدولة إنما يمكن تقصي مقوماته في المباديئ الأساسيه للمجتمع والتكوين الطبيعي للبشر. لقد وُجد المجتمع قبل أن توجد الحكومات وسيبقى حتى ولو ألغيت الرسميات الحكومية. إن الإعتماد المشترك والمصالح المتبادلة بين الإنسان والإنسان واعتماد كل مركب من مركبات المجتمع المتحضر على المركب الآخر يخلقان تلك السلسلة من الإرتباطات التي تضمهم جميعاً. مالك الأرض والفلاّح ، رجل الصناعة والتاجر ورجل الأعمال، وكل حرفة إنما تزدهر بما يوفر لها من المساندة من الأخريات ومن الكل مجتمعات. والمصلحة المشتركة تنظم تواصلها وتُشَكِّل قوانينها. والقوانين التي تُرسِّمها الأعراف لها من الأثر أقوى كثيراً من القوانين التي تسنّها الحكومات.
زد على كل ما ذكر أعلاه أن الدولة المصريه قد سمحت مؤخراً بتزويد أبناء المصريات بأوراق الثبوت والجنسيه بعد الإجراءات مما يجعل عين السفير الذكي على هذه الإجراءات وليس خدمة زعيمه أو خدمة إريتريا أو غيرها. ولكن ما لم يفطن له السفير هو أنه الآن أبعد ما يكون عن تلك الإجراءات فهو قد أصبح عبئاً على كل مستعمليه جديراً بالتخلّص منه “وبكرة نقعد عل حيطة ونسمع الزيطة” على رأي أخواله المصريين.
Awate Forum