المعارضية الارترية بين جدلية المقاومة العسكرية والسلم
إن المعارضة لا توجد بالمعنى الحقيقي للكلمة إلا في نظام ديمقراطي يضمن لها موقعا ودورا ومكانا ووظيفة واضحة تجعلها جزءا مكملا للنظام ومتفاعلا معه، فهي بالأساس ليست أشخاصا مختلفين أو مع النظام أو منتقدين له ولكنها وظيفة سياسية تستجيب لحاجة جوهرية وبنيوية في النظام، وما يوجد في النظم الدكتاتورية أو شبه الدكتاتورية التي نعرفها في البلاد العربية هو جماعات صغيرة على درجة أو أخرى من التنظيم ليس لها دور ولا موقع ولا وضعية قانونية أو سياسية واضحة. (د ـ برهان غليون) اردت ان ابداء مقالي بهذه المقولة للدكتور غليون لان وضعنا المعارض الذي نعيشه يصعب معه التوصيف والتميز،فالاهداف غير واضحة والوظيفة غير محددة لغياب الرؤية الاستراتيجية لمعارضتنا، وان العجز والضعف الموجود في المعارضة الارترية هومحصلة طبيعية لغياب هذه الاستراتيجية (قصيرة ـ متوسطة ـ طويلة ) القائمة على محددات واضحة المعالم والاهداف اخذة في الإعتبار الظروف الإقليمية والدولية، في طرق مواجهة السلطة القائمة في اسمرا، ويرجع السبب في ذلك لفقدان الثقة المستشري بين مكوناتها والتي يعاني منها الجميع لإن التوجس هو السائد والحاكم لعلاقات قوى المعارضة فيما بينها، فكل الذي يحدث في الساحة ما هو الا اجتهادات فردية وغير مدروسة تعتمد على ردة الفعل ينتهي مفعولها بانتهاء الردة، وعلي قول المثل السوداني (زرق اليوم باليوم) وهذا هو الذي جعل من المعارضة محلك سر لاتتقدم خطوة الى الامام، وهذا بدوره اثر علي المجتمع الارتري بالداخل والخارج واصبح مقاومة النظام امرلا يسترعي انتباه الكثير من الشعب الارتري نتيجة للبطش والتخويف الذي يمارسه ضدهم من جانب، وعدم ظهور مقاومة قوية يمكن التعويل عليها في مواجهة السلطة القائمة من ناحية أخرى، لذا لا يستغرب الواحد منا عندما لانجد اي تعاطف اوتجاوب تجاه المعارضة من قبل الآف الشباب الهارب من جحيم النظام الوحشي، وفي نفس الوقت لم يلفت هذا العزوف نظر اي تنظيم من المعارضة لبحث اسبابه ومعالجة مكامن الخطاء الموجودة لذا لم تستطع المقاومة ان تقنع حتى اليسر النذير من هذا الشباب المتدفق، وان الطاغية اسياس ليس قوياً بذاته ولكن بادواته القمعية،وإنما يستمد قوته من ابناء هذا الشعب المنكوب الذي يعاني من وطئة الفقر والقمع، والظروف التي يمر بها والعقبات الكبيرة التي كبلت يده، هي فرصة عظيمة قد لاتتكرر مرة اخرى ،وتستدعي من الكل التكاتف و شحذ الههم من معارضة ومواطنين، لكسر حاجز الخوف والرهبة في وجه هذا الديكتاتور،لإن بث روح المقاومة وجبر الإرادة المكسورة هي اولي محطات المواجهة، لقد كان غاندي يقول” إن البريطانيين لا يحكمون الهند لأنهم أقوى من الشعب الهندي، هم يحكمون الهند لأن الشعب الهندي يخاف منهم وفي الوقت الذي يتخلص فيه الهنود من خوفهم عندها سينتهي حكم بريطانيا” وهذا ما حدث بالفعل !”ولكي نصل الي هذه النقطة الهامة يجب ان نكون قدوة في ذلك الفعل وان نتحمل المواجهة وتبعاتها الجسام من استشهاد واسّر وقيمة وأهمية الحركات الثورية أنها تبادر وتطرح الخيارات العملية وتتقدّم الصفوف ويتصف قادتها بالتضحية والنزاهة والنظافة السلوكية والشجاعة لأنّ لاحرية من غير دماء، ونحدد طرق ووسائل المواجهة المثالية للمعركة هل هي بالطرق العسكرية اوالسلمية او الاثنين معاً، ولنحسب ايجابيات كل وسيلة وسلبياتها بدقة وعناية وليس عن طريق التريقة والنكاية، مستعرضين ميزات كل طريقة وسلبياتها ومعلوم ان هناك عدد من وجهات النظر الشائعة حول كيفية ازالة الانظمة الديكتاتورية والتي تتمثل في الاتي:ـــ
1ـــ المقاومة المسلحة وهذه الطريقة مكلفة جداً مادياً وبشريأ، كما تستدعي ردة فعل عنيفة من النظام الديكتاتوري، وبما أن هذه الأنظمة عادة ما تكون متفوقة على المقاومة في العدد والعدة، وهذا يتطلب الاستعداد القوي في ادارة المعركة وفق الإمكانيات المتاحة بحيث جّر الحكومة الي حرب اسّتنزاف طويلة إضافة الى العمليت النوعية في تصفية بعض رموز الطغمة، يمكن من خلالها اضعافها وتشكيك الناس في قدرتها وإفقادها الثقة في نفسها .
2ـــ الانقلاب العسكري وهو غالباً ما يأتي بنظام ديكتاتوري جديد لا يختلف عن سابقه، نسبة لان الجديد لايمكن ان يأتي من خارج نفس المؤسسة المستبدة الحاكمة، لذلك لا يختلف عن سابقه كثيراً إلا بالشعارات التي ستكون مبرراً لبلوغه سدة الحكم وبعدها تبداء الساقية بالدوران من جديد .
3ـــ الانتخابات لا يمكن إن تتم انتخابات في ظل الأنظمة الديكتاتورية، وهي دائماً انتخابات شكلية ونتائجها مزورة ومعروفة نتائجها سلفاً، ولا يمكن لنظام ديكتاتوري أن يسمح للشعب بحرية الاختيار فهذا يتناقض مع تعريف النظام الديكتاتوري، وحتى هذه الشكلية مرفوضة عندنا، وقد راح ضحية تلك المغامرة مجموعة الـ15 الإصلاحية.
4 ــــ التفاوض: إن الأنظمة الديكتاتوريةلا تعترف بالمعارضة وترفض التفاوض معها، وهي عندما تلجأ إلى التفاوض فإنما تفعل ذلك عند شعورها بالضعف ولخداع الرأي العام أو لامتصاص الضغوط الخارجية،وإذا اختارت المعارضةالدخول في مفاوضات مع النظام الديكتاتوري فعليها أن تدرك أن هذه المفاوضات ليست من أجل الوصول إلى تسوية فلا تسوية عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعب وحريته وكرامته، وإنما من أجل إقناع النظام الديكتاتوري بوقف الحرب على شعبه وإقامة انتخابات حرة والاعتذار إلى الشعب، وهنا يجب أن نتذكر أن الحرية لا تُمنح للشعوب عن طريق المفاوضات وإنما تُنتزع انتزاعاً عن طريق المقاومة وهذه المرحلة لم يصلها النظام بعد ليس لقوته ولكن لضعف المعارضة.
5 ـــ التدخل الخارجي وهو ليس إلا استبدالاً للديكتاتور الداخلي بديكتاتور خارجي، وهو يبث الفتنة في المجتمع لأنه يقسم الناس إلى متعاونين مع المحتل ومقاومين له، كما أن استخدام المحتل للعنف والقوة العسكرية للإطاحة بالنظام الديكتاتوري يرسخ ثقافة العنف في المجتمع بوصفه طريقاً وحيداً للتغيير، إضافة إلى أن الانهيار المفاجئ لأجهزة الدولة الذي قد يصاحب الاحتلال العسكري يؤدي إلى اضطرابات سياسية وأمنية واجتماعية خطيرة ولا ننسى هنا أن هذا التدخل يتم خدمة لمصلحة المحتل بالدرجة الأولى، تلك المصلحة لا تتفق بالضرورة مع مصلحة البلاد بل تتناقض معها في كثير من الأحيان وهنا يبرز المشهد العراقي وما تلى ذلك من فوضى وعدم استقرار يعاني منه حتي الان وكان وبالاً على الشعب العراقي الذي اصبح مشرداً داخل وطنه ولا جئاً خارجه وباعداد كبيرة تجاوزت المليونين .
6 ــــ العصيان المدني وهو يشمل عدداً من الطرق والتكتيكات، تتراوح ما بين توقيع عريضة احتجاج إلى الإضرابات والاعتصامات، ولكن هذا لا يمكن حدوثه في ظل هذه الدولة البوليسية القمعية، لان جميع مظاهر التجمع او التجمهر ممنوعة، ولاننسي قمع تظاهرة معوقي حرب التحرير في ماي حبار قبل وصولهم الي اسمرا، وقد كانت لهم مطالب مشروعة لا تستدعي القوة المفرطة التي استخدمت ضدهم ولكن طبيعة النظام المتوجسة هي التي خلقت تلك الحالة المأساوية بحق هؤلاء الضحايا.
ونجد ان الموجود في ساحتنا يتمثل في خيارين الاول يتبنى المواجهة العسكرية لإزالة النظام والثاني يتبنى المواجهة السلمية ولكلاً مبرراته الواقعية منها والخيالية، فاصحاب الفكرة الاولى اي اصحاب المواجهة العسكرية على قناعة بان لا سلام ولا تفاوض الاتحت ضغط السلاح ومنهجهم في هذا:ــ
1 ــــ ما اخذا بالقوة لا يسترد إلابها، وان المقاومة السلمية تعني السلبية والاستسلام وان النظام لا يعرف ولا يعترف الا با للغة التي يستخدمها، في سحق الشعب والمعارضين على حدا سواء،لذلك الخيار السلمي في نظرهم ما هو الا ضياع للوقت والجهد، وفي الجانب الاخر هو مساعدة غير مباشرة للسلطة وأزلامها في تثبيت اركان الحكم والتمدد بدون ادنى خوف من الغد .
2ــــ تختزن ذاكرة الشعب الارتري تجارب سلبية، فشلت فيها المقاومة السلمية في منع ضم ارتريا الي اثيوبيا في خمسينيات القرن الماضي، وكانت النتيجة ان إتجه الي العمل المسلح في 1961م وكان استقلال البلاد من الإستعمار الاثيوبي.
3ــــ إن الطريقة العنيفة التي التي يتعامل بها النظام مع شعبه توضح عدونيته ولا يمكن ان يقبل باي حال من الاحوال بزوال سلطته بطرق سلمية عبر الاحتجاجات والمظاهرات السلمية.
اما اصحاب المواجهة السلمية فحجتهم في طرحهم هذا هي:ـــ
1ـــ ان العمل المسلح آثاره كبيرة وخطيرة علي الشعب من قتل وتشريد، إضافة الي ان الذين يواجهون هؤلاء المقاومين ما هم الا أبناء هذا الشعب المسحوق والمغلوب على أمره وهؤلاء الجنود ما هم الا مأمورين .
2 ـــ ان انتشار السلاح بيد المجموعات المتفرقة من التنظيمات، سيكون له عواقب وخيمة على الجميع ويهدد سلامة الوطن والمواطن، نسبة للشحن الايدلوجي والاثني والشعورالتميزي الذي عانى ويعاني منه هؤلاء والذي ولد لديهم دافع كبيرفي حملهم للسلاح والمألات السالبة لهذا الشحن والشعور.
3 ـــ إن العنف لا يولد الا عنفاً مضاداً، وهذا سيدخل البلاد في دوامة حرب جديدة لتحصد المزيد من الارواح ومزيد من الدمار، وسيكون المنتصرهو المهزوم .
وهذه هي دفوعات كل طرف ووجهة نظره في كيفية ادارة المعركة مع النظام، وهذه هي خيارات كل طرف وينبغي احترامها حتي وان اختلفنا حولها، وهذه هي اصول الاختلاف، ولكن ما نشاهده هو عكس ذلك تماماً فكل طرف يرى في خياره هو الافضل والامثل، وهذا حق ولكن لايمكن ذلك بتحقير راي الطرف الآخر،بل الأسواء من ذلك هومحاولة فرضه على الآخر وهذه هي الاشكالية التي تعاني منها المعارضة، اي ان الأطراف جميعها تريد ان تفرض الوصاية على بعضها البعض، وهذا نتيجة لعقلية الاقصاء المتجزرة في قيادات المعارضة، فالانشقاقات داخل هذه التنظيمات لا تحدث الا نتيجة لهذه الممارسة الشيطانية القبيحة، وما التراشق الاعلامي والتلاسن الذي يظهر عند ما تحدث عملية عسكرية هنا اويحدث لقاء اوندوة هناك إلا صورة من صورتلك العقلية التي تتنفس عبرهذه الوسائل المتاحة الآن .
ولكن إذا تصافت القلوب وخلصت النوايا وصدقت وتفتحت العقول وانفكت من العقد المركبة كالإستعلاء والدونية، التي يتم التعامل بها ونظرت للقضية بمنظارالواقع والمصلحة العامة وليس بدافع المنفعة الخاصة، لوصلنا إلى حلول يرتضيها الفرقاء، ولكن افتقاد روح المبادرة ونظرة العداء الموجودة والمتآصلة بين الاطراف المعنية، وكان بمقدورالاتجاهين مزج الخيارين سوياً في مواجهة النظام مقاومة عسكرية ومعها مقاومة مدنية جناً الى جنب متمثلة في المظاهرات والاعتصامات، وكل طرف ينشط في الذي يليه ويمثل قناعاته، وهذا كان سيربك النظام ويفقده السيطرة على الاوضاع بالداخل ليؤدي في نهاية المطاف الي سقوطه ويتبع ذلك زخم اعلامي كبير، يتمثل في نقل الاحداث الي القنوات وان لم يكون الي القنوات فعبر المواقع الالكترونية العديدة وفي هذا الاتعاظ والاستفادة من تجربة الانتخابات في كينيا واخيراً أيران وكلها كادت ان تؤدي بزول السلطان في تلك الدول اما غيرذلك فهنيئاً لنا بالتوطين في دول العالم والجوار .
Awate Forum