وقفة تأمل فيما جاء في مقال سمري تسفاي
وقفت على مقال للكاتب سمري تسفاي بعنوان: (Ali Salim’s Land Argument: A Mirage of Power Ambition ) نشر في موقع عواتي في 10 / 12 / 2009 م وترجمة العنوان ((علي سالم وحجة الأرض: وهم أو سراب السلطة ) يتحدى صاحب المقال الأستاذ على سالم / الذي تناول في مقالاته أمهات القضايا والمشكلات بشفافية ووضوح لم تعهدها نخب التجرنيا من أمثال سمري تسفاي فجن جنونهم وكتبوا عن الأستاذ على سالم ومقالاته الكثير والكثير تقليلا من شأن ما يكتب حتى لا تشكل مقالاته رأيا عاما لا يصب في خانة من يريد أن تبقى الأمور في صالحه في كل الأحول ، المقال احتوى الكثير من المغالطات والإساءة والتجني على المسلمين تستوجب الرد والتوضيح، وثانيا قبولا وتجاوبا مع روح التحدي التي أظهرها سمري تسفاي، رأيت من واجبي أن أشارك برأي حول ما جاء في مقال الكاتب وقبل تناول ما جاء في مقال الكاتب أحببت أن أمهد لذلك بهذا المقدمة الطويلة التي ضمنتها بعض ملامح ومعالم المشكلة التي أفرزت نظاما طائفيا في مجتمعنا، أما الجزء الثاني من المقال سيكون بعون الله مناقشة ما جاء في مقال الكاتب سمري تسفاي.
الطائفية حالة من المشاعر والأحاسيس ينشأ ويتربى عليها أحد مكونات المجتمع، بغض النظر عن دينه وعرقه وتحمل المكون على السلوك العدواني تجاه المكونات الأخرى، ومصدر السلوك العدواني هو هاجس الخوف من الآخر، لذلك يسعى المكون الطائفي بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للهيمنة المطلقة في المجتمع من خلال الاستحواذ على السلطة والثروة وحرمان المكونات الأخرى من حقوقها المشروعة، أيضا الحالة الطائفية تحاول دوما أن توجد المعاذير والمبررات لسلوكها العدواني تجاه المكونات الأخرى كالحرص على وحدة الشعب، وتنعت مقاوميها بالعمالة والطائفية والقبلية ونحو ذلك، يقابل ذلك العصبية الفطرية المحمودة التي تدفع الإنسان للدفاع عن حقوقه وأرضه وعرضه دون أن تحمله إلى سلوك وممارسة عدوانية تجاه الآخرين، هذا الجانب الايجابي في الحالة الإنسانية ترى فيه الطائفية عدوا ينازعها في السلطة والثروة والهيمنة المطلقة، لذلك تنكره ولا تعترف به، تحاربه ولا تحاوره لأنها ترى فيه نهايتها أمرها، والعصبية المحمودة قد تتحول إلى حالة مرضية (الشوفينية) وتعني إلغاء الآخر وإقصائه وتهميشه، إن السلوك والممارسة الطائفية من طرف قد يولد لدى الأطراف الأخرى ردة فعل مساوية في المقدار ومعاكسة في الاتجاه، كما حصل في العراق وراوند وكينيا ونيجيريا، مثل الوعي والحكمة في المجتمع الإرتري صمام أمان حمى المجتمع من الانزلاق في حروب طائفية، ولكن من المعلوم أن الظلم ظلمات ودين يجب تسديده طال الزمان أو قصر، والتسديد عن طريق العقلاء والحكماء في المجتمع خير من أن يكون على يد عامة الشعب، فعندها الجار يبدأ بجاره يستوفي منه حقه ومظلمته، وإن كنت دائما من المراهنين على القيادات الوطنية الحصيفة المسلمة والمسيحية في إنقاذ الموقف، إلا أنني أدرك تماما أن الشعب الإرتري ليس استثناء في ظروفه وطبيعته عن بقية الشعوب، فقد ينفجر الموقف ويكون شعارا لصراع ( والبادئ أظلم ) ويحدث في المجتمع ما لا تحمد عقباه.
إن القاسم المشترك بين النظام وبين من يدافعون عن مكتسبات المشروع الطائفي، هي حالة الخوف والقلق من الآخر الذي يسعى لاسترداد حقوقه المشروعة في السلطة والثروة، هذا الخوف لم يكن وليد اللحظة بل كان جزء من سيكولوجية ونفسية العرقية الحاكمة، فمن أسباب نشأة الخوف لدى هؤلاء شعورهم بانحصار ثقافتهم إذ تنتهي جنوبا عند حدود التجراي، وشمالا عند حدود أسمرا، ومحدودية انتشارهم جغرافيا مقارنة بالمسلمين الذين ينتشرون في طول البلاد وعرضها، وقلة عددهم مقارنة بالمسلمين هذا الثالوث شكل مصدر قلق وخوف لقومية التجرنيا منذ القدم ، لذلك أتت مواقفهم من الآخر وسلوكهم وممارساتهم تجاهه تبعا لذلك الخوف والقلق الذي تملكهم منذ زمن بعيد، فمن المواقف الارتماء في أحضان المستعمر الإثيوبي كخيار في فترة تقرير المصير، والتحالف مع جبهة التجراي ضد جبهة التحرير والاستقواء بالغرب وكنائسه بدعوى أن الجبهة تكتل للمسلمين مدعوم من الأنظمة العربية وتسعى لتعريب إرتريا وأسلمتها، وهى نفس نظرة أفورقي إلى جبهة التحرير عندما كان طالبا في أديس أبابا، فكان الحل لتلك المشكلات التي أرقت نخب التجرنيا في المشروع الطائفي الذي عالجوا من خلاله تلك المشكلات، فمشكلة القلة حلوها بتجنيس أعداد كبيرة من الجالية التجراوية، ليرسخوا في الأذهان أن النسبة متساوية بين المسلمين والمسيحيين50%، وحلوا مشكلة الانحصار جغرافيا، بالانتشار والتوطين في مناطق المسلمين، بعد عرقلة عودة اللاجئين من السودان، وحلوا مشكلة انحصار الثقافة بإقصاء اللغة العربية وتجفيف منابع الثقافة الإسلامية، مقابل تنزيل مشروع تجرنه المجتمع في عموم البلاد، بهذا حقق النظام للتجرنيا ما كان حلما في السابق، فلا غرابة أن يدافعوا عما تحقق لهم من مكتسبات، ولا غرابة أن يدعوا المعارضة وهم خصومها، فالمعارضة عند هؤلاء إجراء تجميلي لا يؤثر في مضمون وجوهر النظام ولا يغير مما صار أمرا واقعا كالتوطين في أراضي المسلمين.
نجد اليوم بعض النخب التجرنياوية لا تختلف في موقفها من جبهة التضامن عن النظام إذ رموها بنفس التهم التي رموا بها جبهة التحرير في السابق، كالطائفية والقبلية وجعلوا من العربية والإسلام تهمة أخرى وكأن التاريخ يعيد نفسه، زد على ذلك تأليب الغرب ضد جبهة التضامن واستجداء دعمه، لمحاربة الطالبان ( جبهة التضامن ) كما زعموا، هناك اليوم فريقان من المعارضة فريق التغير السلمي عينه على مكتسباته ومصالحه التي تحققت، وفريق المقاومة عينه على استرداد وانتزاع حقوقه، فريق التغيير السلمي يتودد للنظام ويدافع عنه ويعيق عمل الفريق المقاوم لأنه يرى في المقاومة خطرا على تلك المكتسبات.
عندما نقول بطائفية النظام ننطلق من واقع سلوكه وممارساته تجاه المكونات المضطهدة والمهمشة من غير التجرنية، أيضا ننطلق من طبيعة الجرائم التي ارتكبها في حق الطوائف الأخرى، كما أنني أتفهم جيدا دوافع توصيف النظام بالديكتاتورية الفردية من قبل بعض الجهات التي تتقاطع مصالحها مع النظام ظنا منها أن ذلك يبعد قومية التجرنية عن وصمة عارا لطائفية، لكن الواقع والشواهد لا تسعف أصحاب هذا التوصيف فالدكتاتورية هي واحدة من توصيفات النظام وهي لا تنفي السلوك والممارسة الطائفية للنظام تجاه المكونات الأخرى، ومن المعلوم أن مدافعة ومغالبة الظالمين أمر درجت عليه الشعوب، ولا يعني بالضرورة عندما تقاوم نظاما طائفيا أن تكون طائفيا مثله في الأسلوب والسلوك، ولو كان الأمر كذلك لكان حال البلاد غير هذا الحال، بمعنى لو كانت تنظيمات جبهة التضامن تقابل طائفية النظام بمواجهة طائفية لما بنيت الكنائس في مناطق المسلمين ولما زرعت وحصدت ونامت قريرة العين الأسر التجرنياوية التي استوطنت في أراضي مواطنين آخرين حيل بينهم وبين العودة إلى ديارهم وأرضهم، لذلك كان الأولى بهؤلاء الذين يرمون جبهة التضامن والتنظيمات المقاومة بالطائفية أن يقدروا مواقف قياداتها المشرفة التي لم تقع في فخ الطائفية التي يمارسها النظام، واختارت جبهة التضامن والتنظيمات المقاومة أن تكون المواجهة مع النظام مواجهة عدلية بدلا من مواجهة طائفية حفاظا على وحدة مكونات الشعب الإرتري، فالذين لا يرون شريكا وطنيا في جبهة التضامن والتنظيمات القومية، هم أول من سيدفع ثمن ذلك الموقف إذا انفلت الأمر وأريقت الدماء وللحديث بقية .
Awate Forum