Awate.com

لماذا يحاول بعض المحسوبين على المعارضة اقصاء الآخر؟

يمر شعبنا الابي في هذه المرحلة بفترة حرجة وحاسمة في تاريخه النضالي من اجل ارساء الديمقراطية والعدالة وارساء المساواة بين مكوناته وكنس الدكتاتورية والفكر الاحادي.ومن يتابع الشبكة العنكوبتية هذه الايام يدرك بسهولة الاختلاط العميق الذي يسيطر على الثقافة السياسية الارترية في ما يتعلق بمفهومي الديمقراطية والليبرالية وأحياناً عن استخدامهما بمعنى واحد. بيد أن الأمر لا يتوقف على مجرد الخلط بين المفهومين وعدم إدراك الفرق بينهما وإنما يذهب أبعد من ذلك فيطابق بين الديمقراطية والليبرالية أو ينزع إلى تفسير الديمقراطية تفسيراً ليبرالياً. ولا يحصل ذلك بسبب معرفة قيم الليبرالية نفسها وإنما نتيجة الاعتقاد بأن هذه القيم هي جزء لا يتجزأ من الديمقراطية أي من تأكيد قيم الحرية والعدالة والمساواة بين جميع الأفراد بوصفهم أفراداً أحراراً وأسياد أنفسهم خارج أي إكراهات مجتمعية أو حكومية ومن نتائج هذه المطابقة السلبية والمضرة بالديمقراطية نزوع من يحسبون على المعارضة، وانطلاقاً من جعل الحرية الفردية قيمة مقدسة والقيمة الأولى بل أحياناً الوحيدة للنظام الاجتماعي ككل وليس في الممارسة السياسية فحسب، إلى التضحية بقيم أساسية لا تستقيم الديمقراطية من دون احترامها ولن يكون لها أي أمل في الوجود مع الاستهتار بها. ومن هذه القيم ما هو نتاج الخبرة الإنسانية جميعا مثل قيم العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية وتكافؤ الفرص الفعلي والتضامن الاجتماعي. ومنها، بالنسبة للمجتمع الارتري ، القيم الوطنية المرتبطة بمهام تحقيق الحرية أو حماية الاستقلال والسيادة الوطنية التي يركز عليها النظام الشمولي وبشكل خاص تجاه  اثيوبيا والدول الكبرى وفي طليعتها الولايات المتحدة وأوروبا  وكذا احترام الآخر وتبجيل ثقافة الفكر التعددي. وحديثي في هذه العجالة سوف ينصب على هذه الجزئية الاخيرة الا وهي احترام الاخر.

الوصاية واقصاء الآخر هي آفة تعاني منها العديد من المجتمعات التي يسودها  الفكر الشمولي الاحادي. باسقاط هذه المقولة على الحالة السياسية الارترية بطرفيها المعارض (البعض) ونظام اسياس، سنجدها واضحة للعيان كوضوح الشمس. فبينما يتحدث كلا الجانبين في ادبياتهما عن ضرورة ارساء دعائم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وترسيخ المساواة بين مكونات المجتمع الارتري، نجدهم في نفس الوقت يحولون دون تحقيق هذه المعاني السامية على ارض الواقع. فلو تركنا النظام الفردي جانبا، لان تاريخه على مدار اكثر من اربعين عاما شاهد على سلوكه الاقصائي، وركزنا في هذا المقال على المعارضة سنجد ان اغلب المعارضين سواء كانوا شخصيات عامة (اعلامين، مثقفين، ادباء وفنانين) او تنظيمات سياسية يحاولون اعاقة اي تفكير جديد في العمل السياسي الارتري لا يتماشى مع فكرهم الشمولي، بل ينصبون له العداء ويطلقون صيحات الوعيد والتهديد بإسم الوحدة الوطنية والحفاظ على السيادة الوطنية ويطلقون النعوت والاوصاف المختلفة على من ينادون به.

 وهنا يتساءل المرء لماذا هذه المواقف من جهات تناضل من اجل دولة تسودها العدالة والديمقراطية والمساواة بين افرادها وتدعي أنها  تعاني من الاقصاء من قبل النظام الآحادي الشمولي بينما تلتقي معه في فكرها الاقصائي؟!!!!

 لماذا التباكي على الديمقراطية الضائعة وهذه الجهات المحسوبة على المعارضة في قرارة نفسها لا تمارس الديمقراطية؟

لماذا التحدث عن الفكر الاقصائي للنظام وهي تقصي الآخرين وتحاول تهميشهم؟

تساؤلات شرعية لمن له النظرة الثاقبة والافق الواسع. وبطبيعة الحال لا يمكن ان تشغل بال من لا يتحلى بهاتين الصفتين، لأن فاقد الشيئ لا يعطيه. ولست حقا بصدد الرد على هذه التساؤلات، فربما يأتي ذلك لاحقا في مقال آخر إن شاء المولى ولكنني – كما ذكرت سلفا-  سأركز على مسألة الاقصاء وتهميش الرأي الأخر الذي يمارس بشكل متعمد من قبل البعض في معارضة الارترية.

وأقصد بثقافة الاقصاء عدم رؤية الآخر وعدم تقدير مواقفه وآرائه بل والنظر اليه على انه خائن وعميل ولا يملك رؤية لحلول ازماتنا بل النظر اليه على انه يتاجر بقضايا امته لمجد شخصي مع اتهام واضح في النيات ينفيه اهل ثقافة الاقصاء والتعامل مع الآخر وكأنه جرثومة يجب وأده وإستئصاله وحدوث ما يمكن تسميه بفوبيا حديث او منطق الآخر.

ووفق هذ المنطق، لا أحد يريد أن يرى أحدا،أو يحاوره،أو يقبله، وكل يدعي العصمة والبراءة والكمال، والحل السحري لكل المشكلات، والويل كل الويل لكل من قدم فكرة أو وجهة نظر لا تروق لفلان أو علان أو حزب أو شريحة أو تيار.

ومن سمات هذه الثقافة انها سريعة الغضب وتتهم الآخرين في نياتهم وترفض اي حق جاء به الآخر لأنه منها، وتشكك دوما في افعال ومواقف الآخر وترى نفسها احق و أولى بالعمل من غيرها بل اعتبار الآخرين تجار سياسة يبحثون عن مصالحهم الذاتية ويهدرون المصالح العامة للشعب ويشتتون جهوده.

ويجتمع افراد هذه الثقافة على شكل شلل تتجادل وفق ثقافة التخوين والإستعداء والتشويش والاقصائية مما يعزز من مساحة الاختلاف الاقصائي بديلاً عن الاختلاف الاثرائي الضروري الذي يحتاجه المجتمع لاثراء البيئة الثقافية بالتنوع في الطرح الفكري اللازم لمناقشة القضايا الاجتماعية، السياسية والاقتصادية المختلفة.

وتجمعهم بعض السمات التى قلما يخطئها خبير، من ذلك مثلا:

اثارة الجدل والخلافات وتصخيم الاخطاء وتصيد الشبهات وتجاهل الحسنات.

تهوين العظيم وتعظيم التوافه، فتجد احدهم يضخم امرا خلافيا ويتجاوز الكلام عن مصاب المجتمع والخطر المحدق الذي يتهدده وكأن هذه الاخطار هو غير معني بها.

الحديث بالغمز واللمز عن الاشخاص دون الاهتمام بالافكار التي تخدم المجتمع.

الهدم لا البناء فأحدهم قضيته في الحياة هدم ما يفعله الآخرون لا بناء فكر يحمي المجتمع من الاخطار. فمثلا هو لا يقترح حلولا لمشاكل العمل المعارض والارتقاء به الى مستويات فضلى وانما يكلف نفسه فوق طاقتها ان يشوه من يقومون بالبناء ويحملون افكارا نيرة.

الاهتمام بالشكل على حساب المعني، وكم من شكل خلا من مضمون جيد.

دغدغة مشاعر العامة لاستمالتهم مستخدما مفردات وعبارات لا تحتملها مواقف الآخر بهدف هدم وتشويه وتقويض من لا يتفقون معه في رؤيتهم.

هذه هي صفاتهم، تهدم ولا تبني.

 نموذجان من الواقع:

النموذج الاول:

بالامس سمعت احد الاعلاميين الذين يساهمون بدور مقدر في تعرية نظام الطاغية يتحدث في احدي غرف البالتوك وهو يعلق على ما ينبغي فعله في تظاهرة لندن المقرر لها ان تجري في الثاني والعشرين من اكتوبر الحالي مكشرا عن انيابه الاقصائية وهو يحذر الحضور الذي تجاوز الاربعمائة شخص (غرفتين) من مغبة تكرار رفع الأعلام وترديد الاناشيد التابعة للتنظيمات كما حدث في تظاهرة جيسين بالمانيا التي جرت في الثاني من الشهر الجاري، ويقصد بذلك علم الفيدرالية الذي تتبناه الكثير من التنظيمات والاناشيد الوطنية لـ (جبهة عاباي).

لماذا يا ترى يعترض هذا الاعلامي المخضرم على رفع العلم الارتري وترتيل اناشيد وطنية ذات مدلول تاريخي والتي لم تفقد معانيها رفم تقادم الازمان؟ لم يشرح الاسباب ولكنه قال بالحرف الواحد انها لا تعجبه. لماذا يا ترى لم تعجبه ؟ ألا لأنها من مدرسة الجبهة التي لم يكن عضوا فيها؟

حقا إن مظاهرة قيسين كانت نقلة نوعية في العمل النضالي الذي تخوضه جماهير شعبنا ضد الطاغية، لأن من شاركوا فيها كانوا من كل الوان الطيف السياسي الارتري ومن مختلف مكونات شعبنا وفئاته الاجتماعية، حيث كان حضور الشباب من الجنسين لافتاً، فكانت مظاهرة فريدة كما ونوعاً وفوق هذا وذاك، كانت امتداداً لانحسار أجتماعات ومهرجانات التسول التي دأب الطاغية وخدمه على عقدها في الخارج. فالطاغية تلقى لطمة موجعة في نيويورك ولم يهنأ له بال فيها عندما لاحقه شبابنا في اي مكان وطأته فيه قدماه وعروه، وكذا من حيث ان مظاهرة نيوريورك  وقيسين وبعدهما استكوهولم، كسرت حاجز الخوف الذي ظل سيد الموقف لدي الاغلبية من شبابنا طوال السنوات الماضية.

أذن لما التوصية على تفادي رفع علم الفيدرالية والثورة وترتيل اناشيد الثورة (الجبهة) وحصرها في العلم الذي فرضه اسياس على شعبنا فرضاً؟ فإن لم يكن ذلك نابع من سيطرة الفكر الإقصائي في مخيلة الصحفي المخضرم الذي اكن له كل الود والاحترام لمجهوده الجبار في تفعيل العمل الاعلامي المعارض، لماذا اذن؟ اترك الإجابة لفطنة القارئ الكريم.

النموذج الثاني:

أتابع بإستمرار كل ما ينشر في الشبكة العنكوبتية من قبل اقلام تحسب على المعارضة. واندهش لمواقف البعض منها من مسألة القوميات. لأنني اعتقد انه ليس من حقها فرض آرائها على أبناء بعض القوميات الذين ينادون بالمساواة في الحقوق كما يتساوى الناس في الواجبات. بحكم ان مسألة القومية كمفهوم في الواقع الارتري هو مفهوم جديد لا يتعدى عمره الاربعة عقود, وهو موضوع خلافي ينبغي ان يأخذ حقه من الحوار والنقاش ولا يحتمل اطلاقاً  فرض المفاهيم الجاهزة على قاعدة ما جرى ابان الثورة التي استمدت معانيها من الفكر الماركسي اللينيني. فضلاً عن ان فرض الامر الواقع ومحاولة اجبار الناس على تقبله لم تجدي نفعا طالما هناك من يعتقد بأنه مظلوم وأنه لم يؤخذ رأيه بعين الاعتبار طوال السنوات الماضية، بل سفهت مواقفه واتهم بشتى انواع التهم التي تشكك في وطنيته ونضاله من اجل هذا الوطن الابي على خلفية الحفاظ على الوحدة الوطنية، سواء كان ذلك ابان الثورة أو بعد التحرير من قبل الطاغية وبعض الاطراف في المعارضة. والوحدة الوطنية حسب فهمي  لا يمكن أن يكتب لها النجاح والإزدهار بتهميش الأخرين وتسفيه مواقفهم، وانما هي نتاج السهر على صون حقوق الآخرين والعمل الدؤوب والجبار على تلبية طموحات الكل في المجتمع. ففي غمرة الاستعجال من أجل اسقاط الطاغية يحاول البعض فرض الامر الواقع بدغدغة مشاعر بعض اصحاب النفوس الضعيفة حول الوحدة الوطنية (المهددة…) وغيرها من المسوغات الاقصائية.  لماذا يا ترى هذا السلوك الاقصائي؟ سأترك الإجابة هنا ايضاً لفطنة القارئ.

ختاماً اود أن التمس عذراً من القارئ الكريم لو اثقلت عليه بهكذا مقال في وقت تشهد فيه بعض العواصم في اوربا مظاهرات سلمية يقوم بها شباب ملوا من الركود الذي يعاني منه العمل السياسي المعارض. غير  أني ما اردت الا التنبيه للفكر الاقصائي الذي يسيطر على بعض العقول التي ان لم تردع الآن، والآن فحسب، سوف تكرر النموذج الذي يجثم على صدورنا وهو ما لا اريده حدوث على الاطلاق. ولا استعجل سقوط الطاغية (كما يود البعض) قبل ان تحسم مثل هذه المسائل التي طرحتها في هذه العجالة والتي ارغب حقا ان تأخذها حقها من النقاش. صدري رحب لتقبل الاراء والاقتراحات والنقد البناء.

الموت للطاغية
المجد والخلود لشهدائنا الابرار
وعاش شعبي قاهر الظلام

Shares

Related Posts

Archives

Cartoons

Shares