Awate.com

قراءة هادئة في جوانب أزمة المعارضة

إتكاءة على ملتقى الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي

 

بعد توقف طويل عن الكتابة في مواقع الإنترنيت إلا من كتابات عابرة اقتضتها ضرورة الأحداث (1) ، قررت أن أعاود الكتابة مرة أخرى ، ولما كان الكتابة في هذا التوقيت دون تناول موضوع ملتقى الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي ، أمر خارج عن النص فلا بأس من الإتكاءة عليه طالما كان ذلك أمرا أقتضه ظروف الحال ، ليس هذا وحسب بل أن هذه المحاولة تستند على خلفية الخلافات التي أدمنتها ساحتنا السياسية والتي تختلقها إذا لم تجدها بشكل طبيعي ، فحيوية المعارضة لا تتمظهر بشكل حقيقي إلا في هذه الظروف ، ورغم أن ذلك ليس شر مطلق ولكن يكمن الشر في محاولة المرور على الجذور الحقيقة للأزمة والبحث في هوامشها ، وإن كان ذلك مقبولا من القوى السياسية التي تحسب ذلك بمنطقي الربح والخسارة ، واللعب بالأوراق في الزمان والمكان المناسبين ، ولكن أن يكون ذلك حال المثقفين فهو أمر يدعو إلى كثير من القلق . ومبعث القلق عندي أن أزمة ملتقى الحوار ما هي إلا ذات الأزمة التي ظلت  تعسف بكيان المعارضة ( التجمع ـ التحالف ) منذ تكونه في نهاية القرن الماضي ، وهي أشبه بمريض ضعف جهازه المناعي  ولذلك هو عرضة لكل أزمة صحية عابرة ، وحتما فإن علاجه يمكن في تقوية جهازه المناعي ، بعد معالجة الأزمة العابرة ، وإلا سوف يكون عرضة لأزمة أخرى قد تكون أكثر قوة أو ضعفا إلا أن تودي به في خاتمة المطاف .

 

توصيف الساحة السياسية للمعارضة :-

 

رغم أن الساحة السياسية تحفل بعدد كبير من التنظيمات السياسية ربما أكثر من (80) تنظيم ومنظمة (2)، لكن يمكن أن نرصد تيارين بارزين في هذه السانحة ، وقد تكون هذا التياران بعد سلسلة مخاض عصيبة ، تمثلت في الآم الطلق التي عايشها شعبنا إبان كل صراع مكشوف على مستوى قوى كيان المعارضة ( التجمع ـ التحالف )(3) وهذان التياران أو الاتجاهان يحملان في داخلهما جملة من التناقضات تتمثل في الظروف التاريخية للنشأة وطبيعة علاقاتها الرأسية والأفقية ، ومرتكزاتهم الأيديولوجية ، ولكنهم يتفقون على ملامح عامة تتعلق بتوصيف الأزمة ووسائل الحل ، والرؤية للمستقبل .

 

التيار ( الاتجاه ) الأول:- (4)

 

منطلقين من الأزمة الأخيرة حول ملتقى الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي فلنقل أن هذا الاتجاه تشكله التنظيمات العشرة في التحالف المؤيدة لانعقاد المؤتمر كضرورة قصوى في هذه المرحلة رغم ما أثير من اعتراضات شكلية أو موضوعية من التيار ( الاتجاه ) الآخر . وبنظرة عابرة ندرك أن هذا التيار ( الاتجاه) يتكون من أربعة تنظيمات تشكل جبهة التضامن وتنظيمان يشكلان جبهة التنظيمات القومية إضافة إلى جبهة الإنقاذ ، والجبهة الديمقراطية الشعبية الإرترية والمؤتمر الإسلامي ، وحزب النهضة .

 

ولكن هذا التقسيمات على هذا الأساس ربما لا تخدم غرض هذه المحاولة التحليلية ، لأن الفواصل التنظيمية أو الجبهوية ليست كافية كأداة فرز في المواقف الكلية من الأحداث مثل مؤتمر بروكسل أو ملتقى الحوار الإرتري للتغيير الديمقراطي  ، لذا فإننا سنلجأ في هذه المحاولة إلى البحث في خطوط التلاقي و التقاطع بين هذه القوى بما أننا نتحدث عنها كتيار واحد ، وربما في سانحة أخرى يمكن الحديث عن نقاط التضاد أو التوازي ، فمثلا نجد في هذه الكتلة التنظيمات التي تستند على أساس التفسير القومي ( الإثني ) لطبيعة الظلم أو الأزمة ، ولذلك فهي ترتكز على ذات الأساس في إيجاد الحلول الدائمة ، وهذه الجبهة تشمل كل من تنظيمات الكوناما والعفر وبدرجة ما تنظيم النهضة ، وتجد هذه التنظيمات في النموذج الإثيوبي الفيدرالية القومية ( الإثنية ) مخرجا مقبولا للحل على أنها أيضا تمتد في مساحة كبيرة قد يصل بعض تياراتها الداخلية إلى درجة تقرير المصير والانفصال إذا أقتضى الأمر ، ويتفق معها في رؤية الحل على أساس الفيدرالية القومية ( الإثنية ) تنظيم الجبهة الشعبية الديمقراطية الإرترية ( ساقم ) سابقا .  أيضا هنالك  التنظيمات التي ترتكز على التفسير الديني (الثقافي ) لطبيعة الأزمة أو الظلم ،وهي تنظيمات حركة الإصلاح ( المؤتمر الشعبي) والحزب الإسلامي ، والمؤتمر الإسلامي ، وهذه التنظيمات بذات المنطق تركز على ذات المنطلق كأساس للحل ، وهو أن الأزمة هي أزمة مسلمين ومسيحيين ، أو كبسا ومنخفضات ، وعلية حلّ الأزمة يكمن في الحوار على هذا الأساس لدولة تؤدى إلى الشراكة الكاملة من خلال معرفة الحقوق والواجبات مسبقا ، ويستند هذا الاتجاه إلى أحداث التاريخ السياسي القريب بدأ من فترة تقرير المصير ومرورا بالكفاح المسلح ونموذج الدولة القائمة ، أما المكون الثالث لهذا التيار ( الاتجاه ) فهي التنظيمات ذات التوجه العلماني ، جبهة التحرير ، جبهة الإنقاذ ، الحركة الفيدرالية ، وإذ تلتقي الحركة الفيدرالية مع التنظيمات ذات التوجه الإسلامي في أفكارها الأساسية للأساس الفيدرالي لإرتريا في بداية تكوينها  حيث أوجدت نظاما فيدراليا يتكون من ثلاثة وحدات أساسية الكبسا ، والمنخفضات والعفر ، ولكنها بعد سلسلة تقييماتها أصبحت حلقة الوصل بين رؤية التنظيمات القومية الباحثة عن الفيدرالية القومية ( الإثنية ) وبين التنظيمات ذات المرتكز الديني ( الثقافي ) الباحثة عنا الحل في إطار الشراكة ، حيث أن الفيدرالية كفكرة يمكنها أن تزاوج بين الخيارين ، أما جبهة التحرير الإرترية التي تركز على تاريخ الجبهة كتنظيم قومي بعد سلسلة الأحداث التاريخية نجدها محكومة بغالب مكوناتها الاجتماعية التي تسعى للحل أيضا في إطار الشراكة الواضحة المعالم رغم أنها لا تلجأ لتفسير الدين كعامل أساسي ، ولكن تفضل الثقافة والتكوين الاجتماعي لمجتمعي الكبسا والمنخفضات ، وتبقى جبهة الإنقاذ التي تتكون من تيارات تزاوج بين تجربة الجبهة ( المجلس الثوري ) والجبهة الشعبية وحركة ساقم ، والذي يجمعها في هذا التوقيت مع هذا التيار ( الاتجاه ) هو اعترافها بطبيعة الظلم الواقعة على هذه القوى من قبل الدولة المركزية الإثنوقراطية وعليه فالحلول يجب أن تتم في إطار الديمقراطية التوافقية التي تلبى حاجة المظلومين .

 

ولعل من المفيد أن نلخص الأفكار الأساسية التي يلتقي عليها هذا التيار ( الاتجاه ) قبل الانتقال إلى التيار ( الاتجاه) الثاني :-

 

1/ تعريف الدولة الحالية بأنها دولة ديكتاتورية تقوم مركزيتها على مكون ثقافي اجتماعي جغرافي واحد وهو ( الكبسا ، التغرنية ، المسيحيين )

 

2/ رفض الدولة القائمة حاليا بكل مؤسساتها ، والسعي إلى إحداث تغيير راديكالي شامل ، والاستعاضة عنها بدولة فيدرالية قومية ، أو فيدرالية ثقافية .

 

3/ حمل البنية المساندة للدولة أي كان مسماها ( مسيحيين ، كبسا ، تغرنية ) وفق مدلولات الدين ، الجغرافيا ، الثقافة ، على الاعتراف بهذه الحقوق ، والاتفاق معها على شكل المستقبل من خلال الرؤية التي تحدثنا عنها .

 

4/ لا يمانع هذا التيار ( الاتجاه ) في استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافه ، لأن طبيعة التغيير الراديكالي الذي ينشده لا يتعارض مع العمل العسكري .

 

التيار ( الاتجاه ) الثاني :-

 

لأننا نتحدث على خلفية  الأزمة الناشبة حول ملتقى الحوار الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي فإن الحديث عن هذا التيار ( الاتجاه ) بعد المؤتمر التوحيدي لحزب الشعب الديمقراطي الإرتري ديسمبر 2009م ، سوف يرتكز على هذا الحزب رغم عدم الإنكار للخلفيات المكون  له ، وهي معلومة حيث تزاوج بين تجربة الجبهة ( المجلس الثوري ) والجبهة الشعبية ( الحزب الديمقراطي ، الحركة الشعبية ) ومن المفيد في هذا السياق أن نؤكد أن هذا الحزب الجديد ضمن سلسلة الحوارات التي أدت إلى توحده قد أتفق على ترك تفسير أحداث التاريخ جانبا في هذه المرحلة على أن تترك للمتخصصين في المستقبل (5)، وبالتالي الذي يجمعهم هو المنطلقات والرؤى ، فالمجلس الثوري الذي كان يرتكز في فكره على الخلفية اليسارية في الماضي ، وعلى الديمقراطية الاجتماعية في هذه المرحلة لا يزال ينظر بريبة كبيرة إلى عوامل الدين والثقافة والإثنية باعتبارها  مهددات للوحدة الوطنية من جهة ومتناقض والديمقراطية الحقيقية من جهة أخري ، ,إذ ظل يرفض التعاطي معها إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي ، لكنه تعاطي معها براغماتيا عبر حوارات داخلية في مراحل لاحقة ، وهو ما أدى إلى تكون تجمع القوى الوطنية الإرترية في مارس 1999م ، ولا يزال هذا التنظيم عبر رحلته الممتدة مدا وجزرا يتعاطى مع قضايا الدين والقومية على أساس أنها مشكلة واقعية تتطلب الحل ، وليس مدخل لحل المشكلة ، ويسنده في ذلك أدب عريض في علم السياسية والاجتماع يرصد تطورات المجتمعات وصولا إلى الديمقراطية على غرار النموذج الأوربي على أساس نظريات الوظيفية والوظيفية الجديدة ـ Function and New Function ـ التي تقوم فيها العلائق البشرية على أساس المصالح والوظائف وليس على أساس الدم والعصب ( العلاقات العصائبية ) أو الإيدلوجيا ،  أما التنظيمات التي تستند إلى مدرسة الجبهة الشعبية رغم الاتفاق على الأساس النظري مع تيار المجلس الثوري في تعريف شكل الحكم المرتجي ، ولكن تعتبر أن الخلل في الدولة القائمة الآن هو غياب المؤسسات ، وسيطرة الرجل الواحد ، وتعزي الخلل الواضح في معادلة الدولة إلى هذا السبب وليس لأسباب بنيوية تتعلق بتنظيم الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة ( الجبهة الشعبية سابقا ) ، وهو الخلاف الذي كان محور نقاش مستمر بين المكونين الرئيسين لحزب الشعب ، وكان ابرز عناوين هذا الحوار الدستور والعلم ، وطبيعة الحكم ، وقد تم الاتفاق على تجاوز هذه القضايا على أساس الخيار الديمقراطي للشعب عبر آليات الديمقراطية المرتكزة على النظريات الوظيفية كما ذكرنا سابقا عدا نظام الحكم الذي تم الاتفاق على أن يكون نظام حكما لا مركزي على الأساس الجغرافي وهو ما يختلف بداهة مع الخيار الفيدرالي على أساس ثقافي أو قومي ، وهذا يعنى ضمنا أن الطرفان يتفقان على كيان الدولة القائم والإصلاح المتدرج وفق ظروف الزمان والمكان وليس التغيير الراديكالي ، ومعالجة القضايا المثارة من تعريف الظلم وأسبابه ، ومطالب العدالة الاجتماعية  في إطار العدالة والديمقراطية ، وهو ما يعنى أيضا رفض التعريف الدكتاتوري الإثنوقراطي للنظام والاكتفاء بالنظام الدكتاتوري فقط .  وتلخيصاً لأهم ملامح الاتفاق بين مكونات التيار ( الاتجاه ) الثاني يكون من المفيد أن أضع بعض النقاط :-

 

1/ تعريف النظام بأنه نظام ديكتاتوري ، وأن الأزمة هي أزمة مؤسسات والحل يكون في نظام ديمقراطي ، والحساسية العالية تجاه التوصيف الإثنوقراطي للنظام ، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره . بمعنى أن القبول بهذا التعريف سيكون له انعكاسات على طبيعة البديل .

 

2/ التغيير المتدرج للنظام أو بعد سقوط النظام ، وحلّ المظالم في إطار المؤسسات ومبادئي الديمقراطية والعدالة المركزية للدولة .

 

3/ التغيير الديمقراطي لا يتم بوسائل غير ديمقراطية ، وعليه يتبنى هذا التيار الخيارات السلمية ، لأنها الوحيدة التي تؤدى إلى التغيير الديمقراطي الآمن

 

أزمات كيان المعارضة :-

 

نعنى بكيان المعارضة الكيان الائتلافي المكون منذ 1999م ( تجمع ـ تحالف ) وكما هو معلوم فإن هذا الكيان شهد أزمات صامتة وأخري معلنة ، مدّ وجزر ، وقد كانت عناوينها موضوع الشريعة والقوميات ، والعمل العسكري في مرحلة من المراحل ، وموضع القيادة في مراحل أخري ، ومؤتمر بروكسل ، وأخير موضوع ملتقى الحوار الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي ،  وعلى الرغم من تمظهر هذه الأزمات حول هذه العناوين ولكن المنطلقات الأساسية لها لن تبعد كثيرا عن الفواصل المحددة للتيارات (الاتجاهات ) التي أوردناها في الجزء السابق ، ولأن الحلول التي كانت تطرح لتجاوز هذه الأزمات لم تكن من العمق بحيث تناقش القضايا الحقيقة لذا فإن تكرار تفجرها مع أي حدث هو أمر طبيعي ومتوقع ولن ينتهي مع ملتقى الحوار الوطني الذي يثير الجدل في هذه المرحلة ، ولكن السؤال هو هل هذان التياران (الاتجاهان ) متوازيان بحث لا يلتقيان أبدا ، بمعنى أخر هل هذه الأزمة مزمنة بحيث لا تقبل العلاج ، الإجابة حتما لا ، فهي خلافات موضوعية يمكن أن تجد الحل الموضوعي من خلال حوار عميق . وذلك ببساطة لأنها لا تقبل إلا الحل فنحن نملك وطنا واحداً ولا نملك إلا أن نعيش فيه جميعا ، وخياراتنا هي بين أن، نعيش فيه بسلام وهذا يتطلب الحوار الجاد والموضوعي ، الاعتراف والاحترام المتبادل ، والثقة المبنية على حقائق المصالح المتبادلة وليس الثقة الهشة المبينة على المناورات والتكتيكات السياسية  وهو ما يعرف بنظرية الجميع رابح ـ win –win ، أما الخيار الآخر فهو شبه وطن يعيش على الشك بنوايا الآخر ، والكيد له ومحاولة الانتصار عليه أو الانتقام منه  وهي نظرية الرابح والخاسر ـ win –loose  وهو النظرية التي عشناها ولا نزال في كيان المعارضة ( تجمع ـ تحالف) ، ويقول علماء الاجتماع والسياسة أن الانتقال من نظرية الرابح والخاسر إلى نظرية الجميع رابح تتم في ظرفين هما إما توازن القوى ، أو توازن الضعف ، لأن الطبيعة البشرية ـ المجتمعية تقوم على الصراع في غالبها ، وهو ما يعرف بصراع الأنداد ، وحتى نقرب الصورة نعود بالذاكرة إلى مرحلة المراهقة حيث تجد الأنداد يتصارعون ويحددون طبقاتهم وفق معايير القوة ، وإذا تساوت ولم يستطع أن ينتصر أحدهم على الآخر أصبح هنالك الاحترام المتبادل ، وفي حال المعارضة الإرترية فإن الانتظار حتى يتم توازن القوى أو الضعف وفق ما ذكرنا هو نوع من الرفاهية لا نملك له الزمن الكافي ، حيث يتدهور الوضع في الداخل يوما بعد آخر ، ومع تدهوره تستعصي معادلات الحل في المستقبل عليه يجب الانتقال إلى ذلك المربع طواعية .ولكن يبقى السؤال ما هي العوامل التي أخرت ولا تزال الانتقال إلى هذا المربع ، هنا يمكن أن نذكر الآتي :-

 

1/ وهم القوة وضعف التحليل :-

 

بما أن المعارضة في غالبها تستند إلى تجربة مرحلة الكفاح المسلح نجد ان قيم الديمقراطية ليست عميقة في وداخلها ( تفكير الأفراد ـ إدارة المؤسسات ـ قيم التنظيم ) ولا تزال بعض من آثار الإنفراد بالحل تسيطر على البعض ، وهذا يعود إلى ضعف في التحليل حيث يستهين البعض بقوة الآخر ، ويشكك الأخر في نوايا الأول من غير عمق كافي ولتجاوز هذه المعضلة علينا أن نكون واقعين فمنظور القوة الحالي هو عامل متغير ، كما علينا أن نبنى الثقة على المصالح وليس العلاقات الفردية أو الحب أو الكره وكما تقول العرب ( إنما تأسى على الحب النساء )(6) ، هذا المنهج سوف يجعل طبيعة العلاقات خلافية ولكنها صحية ، كما انه سوف يساعد على ترتيب الأولويات والتناقضات الرئيسية والثانوية .

 

2/ طرح القضايا الحقيقة على طاولة التفاوض :-

 

إن المعارضة كانت ولا تزال تتعامل بلغة التكتيك ، وإنكار الحقائق كل من موقعه خوفا من الاستحقاقات المترتبة على هذا الاعتراف والنقاش الجاد الذي دون شك سيتطلب نوع من التنازلات من قبل القوى للوصول إلى حلول أو تأجيل البعض ليقرر فيه الشعب ، ولا يتوقف سبب الهروب من القضايا الحقيقة إلى هذا وحسب بل إلى المكونات الاجتماعية لقواعد التنظيمات المكونة للمعارضة ، وخطابها السياسي الذي انتهجته ولا تستطيع التراجع عنه بسهولة وإلا سوف تفقد شرعية وجودها أو تنتقص هذه الشرعية ، كما ينتظر البعض أن يسوى الزمان هذه القضايا العالقة  .

 

3/ اللغة :- أن أكبر أزماتنا هي لغة التواصل ، وكما قال أبعرى فك الله أسره ، إن اللغة ليس أداة للتواصل وحسب بل أداة لممارسة السلطة ، ونحن نضيف أن اللغة كائن يحمل معه العوامل الأولية لمنهج التفكير وطريقة التعاطي ، وينقسم مجتمع المعارضة في هذه المرحلة إلى قسم يقرأ العربية ويتعاطى بها تحكم تفكيره وخطابه ، وهو يحاور نفسه من خلال المنابر المتاحة ، كما يتعاطى قسم آخر باللغة التغرنية ، أو الإنجليزية وهو بطبيعة الحال يخاطب نفسه من خلال منتوجه الأدبي والسياسي ، أن اللغة تشكل حاجز كبير لفهم الآخر والتواصل معه ، وهى أزمة مستحكمة على مستوى الصفوة ، والتنظيمات السياسية ، والكيان المعارض ( تجمع ـ تحالف ) والمجتمع ، ولأن هذه الثنائية واحدة من مشكلاتنا ومدخل الحل كذلك ، تبقى قضية اللغة عاملا معيقا للانتقال من المربع الحالي .

 

4/ غياب التأهيل الكافي :-

 

أن قياداتنا السياسية التي ورثت السياسية وفق الظروف التاريخية لم تتح لها الظروف ، التأهيل عبر دراسة العوامل التي يتطلب توفرها في القيادة ، وهي إذ تملك الإخلاص والتضحية ، ولكن ذلك لا يكفي ، وكثير من أزماتنا التي دوخت ساحتنا السياسية ما هي إلا دليل على ضعف مقدرتنا على إدارة التفاوض ، وعلم الحوار ، وتحديد عوامل التقاطع والتضاد ، ترتيب الأولويات والتمييز بين التناقضات الأساسية والثانوية كله يحتاج إلى مهارات عاليه هي مهارات مكتسبة ، واذكر أن الخارجية الأمريكية أبان سياسية الاحتواء التي انتهجتها حيال السودان في عام 1998م خصصت (20) مليون دولار لأغراض التدريب والتأهيل في هذه المجالات وغيرها ، وآمل أن تكون هذه في سلم الأولويات لدى قياداتنا السياسية في لقاءاتهم مع الأصدقاء خاصة الأوربيين ، كما أتمنى أن تكون تلك شاغل منظماتنا المدنية بدلا من المؤتمرات التي تكون وبالا على ساحتنا السياسية أكثر من فوائدها.

 

5/ غياب الصفوة :

 

أن وضعنا الحالي دون شك نتاج بطئ تطور مجتمعنا ، حيث الدولة الفاشلة في الداخل ، والمعارضة المتنازعة في الخارج ، ومنظمات المجتمع المدني الهشة التي لا تحمل ادني محددات منظمات المجتمع المدني ، والمثقفين والكتاب الذين يتأثرون بضحالة الفكر السياسي للمعارضة فينشغلون بمظاهر الأزمة دون الغوص في أسبابها ، تعتبر اكبر عائق في الانتقال من هذا المربع ، والعاصم للمجتمعات من الانهيار هي الطبقة المثقفة وقادة الرأي العام الذين يتمتعون بوعي كافي لأدراك أسباب الأزمات وطرق تجاوزها ، بل أكثر من ذلك الصفوة الواعية هي التي تستطيع أن تتنبأ بالمستقبل وفق أدوات ومناهج التحليل ، وهذا دون شك الغائب الأكبر في ساحتنا السياسية والثقافية .

 

5/ الأصدقاء والحلفاء :-

 

أن لعبة السياسة تقتضي أن تكون لكل معارضة حلفاء وأصدقاء تجمعهم المصالح المشتركة أو الأعداء المشتركين ، وهذا ينطبق على معارضتنا مع تغير الحلفاء وفق المتغيرات السياسية ، ولكن لم يبذل هؤلاء الحلفاء الجهد الكافي ، أو لم تكن لهم الرغبة الكافية لمساعدة المعارضة على الانتقال من هذا المربع ، وهذا ربما يكون لغياب إستراتيجية لهؤلاء الحلفاء أو ربما تكون هذه هي الإستراتيجية ذاتها ، وأيناً كان هذا أو ذاك فقد ظل هذا العامل معيقا للانتقال من هذا المربع .

 

الشعلة في نهاية النفق :-

 

أن الصورة على قتامتها لكن هنالك دائما شعلة في نهاية النفق ، وهو ما يعرف بالأمل ولهذا الأمل ما يسنده على ارض الواقع وهنا يمكن أن نشير إلى الآتي :-

 

1/ تجربة كيان المعارضة ( تجمع ـ تحالف ):-

 

لا أمل مطلقا ترديد العبارة بأن ميثاق التحالف الديمقراطي الإرتري يعتر ارقي ما وصل إليه فكرنا السياسي الإرتري ، بالنظر إلى تجاربنا السياسية ـ تقرير المصير ـ الكفاح المسلح ـ ولكن أكاد أجزم أن وعينا بهذا الميثاق ليس كاف لدرجة تطبيقه أو الالتزام به ، بمعنى آخر أنه لم يأتي وفق التطور الطبيعي لمفاهيم قوى المعارضة ، بل أملته ظروف سياسية محددة ، ولكن الذي يعطي الأمل أن هذه التجربة على ضعف تأثيرها على ارض الواقع ، ولكن تتردد القوى جميعها في التراجع عن هذا المكسب الذي تحقق ، كما أن الجماهير على ضعف علاقتها به وانتقادها المرير لأدائها ولكنها تحافظ عليه وترعاه ، وفي كل الأزمات التي مر بها التحالف كانت الجماهير عامل ضغط كبير لأعادته ككيان يمثل المعارضة على اختلاف توجهاتها السياسية والقومية والدينية والإقليمية ، كما أن التحالف هو المنبر المحتمل لإدارة الحوار الحقيقي حول القضايا الأساسية التي تتحاشاها قوانا السياسية .

 

2/ بداية النقاش حول القضايا الأساسية :- ويمكن أن نلحظ ذلك على مستويين  هما :-

 

أ/ على المستوى السياسي : حيث دار نقاش صحي في مؤتمرات التحالف لعام 2007 ، و2008  ، في القضايا الرئيسية ، تعريف النظام ، الوحدة الوطنية ، الدين ، القومية ، الهوية ، نظام الحكم ، المرحلة الانتقالية ، وغيرها من القضايا ، كما أن الورشة التمهيدية لملتقى الحوار الوطني التي عقدت في أديس أبابا في يوليو 2009م لامست بعض هذه القضايا ، أيضاً ورقة  حزب الشعب الديمقراطي المنشورة في الانترنيت (فهمنا لمشكلات التحالف الديمقراطي الإرتري وآلية حلها ومؤتمر الحوار المنشود) طرحت القضايا الأساسية وطالبت بالنقاش الجاد حولها في مائدة الحوار وهذا بادرة جيدة حيث ظل هذا التيار ( الاتجاه ) الثاني متهما بتحاشي طرح هذه القضايا ( جذور خلافات المعارضة ، مؤتمر الحوار ، الحوار الإسلامي المسيحي ، القوميات ، الأرض )(7) وعلى الرغم من الظرف الخلافي الذي طرحت فيه ولكن يعتبر هذا مكسب لجهة الحوار حول القضايا الرئيسية .

 

ب/ الحوار على مستوى الصفوة :  وهذا ملاحظ في بعض الكتابات الواعية والعميقة التي تلامس جوهر القضايا ، وتتناولها بغرض الحل وليس الإثارة وهنا يمكن الإشارة إلى وثيقة المختار كواحدة من الكتابات المهمة ، كما أن كتابات الدكتور برخت هبتي سلاسي تعتبر واحدة من العوامل التي تعطي الأمل في أن الصفوة يمكن أن تكون رديف مفيد للقوى السياسية في نقاش القضايا الأساسية التي لا تخضع فقط لمناورات السياسيين ، وعلى الرغم من الاختلاف الكبير بين منطلقات الوثيقة وكتابات الدكتور برخت هبتي سلاسي ولكن تجد نقاط التقاطع والتلاقي فيها واضحة مما يعطى الأمل أنه يمكن الالتقاء في وسط الطريق دون غالب أو مغلوب .

 

3/ بدأ تغيير موقع الحلفاء أو الأصدقاء ونلحظ ذلك في الحوار العميق الذي دار بين المعارضة والحكومة الإثيوبية في شهر ابريل الجاري حيث يمثل واحدة من العوامل التي تعطي الأمل ،إذ أدرك الإثيوبيون أن العلاقات بينهم والمعارضة لابد وأن تحكمها تفاهمات محددة تراعي المصالح المشتركة ، كما تستدعي هذه التفاهمات تقوية المعارضة من خلال تقوية عوامل وحدتها وخارجيا بتوفير العوامل المعينة لها في نضالها ، وهذا الحوار ظل مطلبا ملحا للمعارضة في الفترة الماضية .

 

الخيارات الغبية :-

 

إن حال المعارضة الإرترية على تعدد خلافاتها مثل قوم مختلفون على ظهر مركب واحد في عرض البحر عليهم أن يجدفوا سويا وفي اتجاه واحد حتى يصلوا إلى بر الأمان وإلا فالخيارات الغبية هي عدم التجديف أو التجديف في اتجاهات مختلفة ، وفي حال المعارضة فإن عدم الاتفاق على القضايا الجوهرية ، والاستعاضة عنها بالدوران في حلقة مفرغة ملؤها الشك ، وتقزيم الآخر ، سوف يؤدي إلى واحدة من الاحتمالات الآتية :-

 

1/ استمرار النظام ، وهذا لا يحتاج إلى كثير حديث ، فهو تقرير لواقع معاش بكل سوءاته حيث يعتبر استمرار النظام نتيجة لضعف المعارضة وليس نتيجة عوامل قوة في بنيته ، والأنظمة مثل الأشجار حتى لو جفت يمكن أن تبقى لعقود من الزمان طالما لم تأتي قوة خارجية تدفعها إلى السقوط ، وهذا الخيار يتعارض مع وجود المعارضة أصلا الساعية للتغيير .

 

2/ تغيير النظام بواسطة واحد من التيارات ( الاتجاهات ) وهو لا يعدو أن يكون استمرار لحالة الإقصاء ، واستمرار دوامة العنف ، حتى لو أن هذا  العنف هدأ لفترة من الزمن لأن عادة تكون هنالك فترة حتى تكتشف الجماهير الخدعة الكبيرة ثم تبدأ دوامة العنف من جديد بغض النظر من الذي يبدأ هذه الدوامة ، وهو مدخل إلى دولة فاشلة جديدة .

 

3/ خيار انهيار الدولة : وهو ما يشار إليه بالصوملة ،اللبننة ، البلقنة ، الأفغنة ، أو النموذج الرواندي ولا أعرف كيف تكون النسبة إليه في اللغة العربية ، والذين يعتقدون أن إرتريا لا يمكن أن تنجر إلى واحدة من هذه النماذج واهمون ، ولا أدري ما الذي يستندون عليه غير النوايا الحسنة ، فارتريا دولة لا يعرف شعبها بعضه البعض جيدا بفعل الإستعمارات المتعاقبة ، كما أن هنالك تناقضات ثقافية واثنيه غاية في الوضوح ، وحالة الشك ، والمصالح المتناقضة لها علامات واضحة على مسار التاريخ السياسي والنضالي ، والأكثر من ذلك فنحن من فقد في الحرب الأهلية بين التنظيمات الإرترية أكثر مما فقدنا أمام التناقض الأساسي وهو الاستعمار الإثيوبي ، ولا تزال صورة حادثة عالقة في ذهني عندما كنت طفلا بين التاسعة والعاشرة مع العمر في عام 1984 ، أعيش في معسكر ابورخم للاجئين قدمت فرقة فنية للجبهة الشعبية ، وكان هنالك سمنار أحتد النقاش فيه بين أنصار الجبهة والشعبية  وتحول إلى مجزرة بشرية استخدمت فيه السكاكين والعصي ، وأنا الذي لم أري السكين إلا في عنق الخراف والأغنام في عيد الأضحى إذا بي أري أمعاء تتدفق أمامي من بطن بشرية ، ولا تزال الصورة عالقة لا تفارق ذهني أبدا ، كل هذا ويأتي من يحدثنا عن أن هذا الخيار غير وراد . أن الذي يرى فيلم ( جاري ـ قاتلي ) (My neighbour – My killer ) الذي يصور الإبادة الجماعية في رواندا لا يستبعد احتماليه انهيار الدولة أو الحرب الأهلية ، ولماذا نستبعده وهو قد حدث في الصومال الدولة المتجانسة بحيث قلبت أحداثها  النظريات التي تتحدث عن الدولة ـ الأمة و الأمة ـ الدولة (State –Nation Nation ـ  State ) كما حدث في لبنان وهى الدولة التي فيها اكبر نسبة تعليم في الوطن العربي ، وحدث في البلقان قلب أوربا. إن الضمانة الوحيدة لتجنب ذلك هو الحوار الصريح والشفاف والتنازلات المتبادلة ، والثقة المبنية على المصالح المشتركة وليس على النوايا الحسنة ، فلم تعد النوايا بضاعة رائجة في سوق السياسة والمصالح المتعارضة .

 

الخلاف حول مؤتمر الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي :-

 

بما أن هذه المحاولة التحليلية جاءت في سياق الخلاف حول ملتقى الحوار الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي ، فأنني أريد أن أوكد أن الخلاف لم يكن بعيدا عن التوصيف الذي يسم كل من التيارات ( الاتجاهات) المذكورة ، واستعداد هذه الأطراف للحديث الصريح والشفاف والجاد حول القضايا الأساسية التي اشرنا إليها في مضمون هذه المحاولة التحليلية ، ولأن التيار ( الاتجاه ) الثاني يعتقد أن التحضير لهذا المؤتمر تم بحيث يؤدى إلى إقرار حلول تتطابق مع رؤية التيار الأول في القضايا الرئيسية في ظل مؤتمر لا يتسع فيه الوقت لهضم هذه القضايا هضما جيدا ، وتلتقي فيها الأطراف في منتصف الطريق لم يكن بدا من أن يحاول أن ينزع الشرعية عن القرارات أو الآليات المنبثقة عن مؤتمر كهذا أو على الأقل لا يلزم نفسه بها ، إن إثارة الاعتراضات التي تبدو شكليه الزمن الكافي ، اللجنة التحضيرية ، إقصاء بعض التيارات أو القطاعات هي في جوهرها مما يصب في مجمل التحليل من خشية هذا التيار ( الاتجاه) من سياسة فرض الأمر الواقع في قضايا جوهرية تتعلق بالرؤية الكلية لمستقبل الوطن ، ولكن كان بالإمكان طالما تم الاتفاق على أن ملتقى الحوار يجب أن يكون عملية مستمرة وليس حدثا واحدا ، دخول كافة الأطراف بعد إيجاد ضمانات على مستوى التحالف باعتباره الجهة الراعية سياسيا للملتقى ، ولكن لأن ثقة التيار ( الاتجاه ) الثاني في قيادة التحالف هي ثقة مهزوزة منذ مؤتمر 2008م مرورا بما صاحب مؤتمر بروكسل كان الانسحاب عن المشاركة في الملتقى قرارا طبيعيا يتماشى وتفكير هذا التيار (الاتجاه) .

 

خاتمة :-

 

إن أزمة المعارضة هي في حقيقتها أزمة مجتمع بدءاً من الدولة القائمة وتنظيمات المعارضة ، ومنظمات المجتمع المدني ، وعليه سواء كتنظيمات سياسية أو منظمات مدنية أو كتاب ومثقفين يجب أن لا نحرق مراكب العودة ونبقى خلافاتنا في إطارها الموضوعي فالمشكلة في إبعادها السياسية لا تحتمل الأعداء أو الأصدقاء الدائمين  كما على ملتقى الحوار الوطني في مرحلته هذه يجب أن يستصحب كل هذه التقديرات في إصدار قراراته وتوصياته وآلياته لتكون بمستوى قضايا الوطن فالساحة الإرترية تحتاج إلى أكثر من ملتقى حوار واحد حتى  تتجاوز تناقضاتها الثانوية فالجميع في مركب واحد يصلون معا أو يغرقون معا.

 

للتواصل مع الكاتب :

razig2002@yahoo.com

 

هوامش :-

 

1/ مقالات ( بعض الخاص وقليل من العام ، أمة لا تحترم رموزها لا يمكن أن تتقدم  ـ مؤتمر بروكسل كلمة لابد منها )

 

2/ سلسلة الأسئلة والأجوبة لرئيس حزب الشعب الإرتري الجزء الثاني http://www.togoruba.org/togoruba1964/mainTogorubamap/mainMap/headingMap/English/2010/newsApr/0704PD1-03IE.pdf

 

3/ أزمات التحالف 2002، 2005 ، 2007 ، 2010 .

 

4/ الترتيب الأول والثاني لا يحمل أي مدلول أفضلية سوى التمييز بين التيارين لغرض التحليل .

 

5/ دردشة مع المناضل مسفن حقوص أديس أبابا مارس 2010م.

 

6/ يجب أن يفهم في مدلوله كمثل وليس في إطار تمييزي (جندر).

 

7/ http://www.harnnet.org/index.php/news-and-articles/top-headlines/162-2010-04-21-16-26-41

Shares

Related Posts

Archives

Cartoons

Shares